كم أزمة عربية باتت في رقبة الولايات المتحدة الأميركية؟ حتى وقت قريب، كان الشرق الأوسط بثرواته النفطية وصراعه المركزي مع إسرائيل عنوانا رئيسيا للحضور الأميركي.
لم يعد هذا الصراع العنوان الوحيد الذي يستدعي تدخل واشنطن، قوس الأزمات صار واسعا وعريضا، ولا غنى عن أميركا لاحتواء الأزمات وتسكينها.وقف إطلاق النار في غزة لم يكن ممكنا إلا بتدخل أميركي. قادة العالم كله، بمن فيهم الكبار في أوروبا الصين وروسيا، أقروا بالحقيقة؛ ترامب وحده من يستطيع إخضاع نتنياهو.ترامب كان المخلص للبنان من حرب ساحقة، أنقذ الموقف قبل أن يندفع نتنياهو المنتصر صوب بيروت. ووسط التهديدات المتزايدة بهجوم إسرائيلي جديد على لبنان، لا أمل لبنانيا يرتجى بغير مبعوثي ترامب لمنع الكارثة.مستقبل سورية معقود على توصيات وتقارير المبعوثين الأميركيين أيضا. من دون موافقة سيد البيت الأبيض، لم يكن لنظام سورية الجديد أن يصمد، وتفتح أمامه أبواب العواصم القريبة والبعيدة. ماذا سيحصل لسورية لو تبدل المزاج في واشنطن؟والسؤال ذاته في بغداد التي لم يتأخر فصيل فيها عن التواصل والتودد لسيد البيت الأبيض، ليغفر لهم ما تقدم وما تأخر من عداوات ضد واشنطن وتل أبيب، لعلهم ينالون بطاقة المرور الآمن للبرلمان، وينجون من قصف الطائرات الإسرائيلية.إيران التي تعرضت لأعنف هجوم بالقاذفات الأميركية العملاقة، وبالمقاتلات الإسرائيلية، ما تزال تفتح ذراعيها للسيد ويتكوف، لعله يجد طريقا لتسوية تضع حدا للعقوبات القاتلة، والحرب الإسرائيلية الثانية التي تلوح في الأفق.مبعوثو ترامب مطلوبون في كل بلد عربي. السودان الذي تمزقه الحرب الأهلية العبثية، صار على أجندة أحد المبعوثين أخيرا. هو الأمل والرجاء للسودانيين من حرب إن تواصلت ستمزق السودان إلى دول وكانتونات متصارعة، وتحول الملايين من أهله إلى لاجئين في شتى بقاع أفريقيا.لم يكن أحد من ساسة العالم العربي، وإعلامييه، يكترث لكارثة السودان، الممتدة منذ سنوات، وسط انشغال تام بالحرب على غزة. حين أوقف ترامب الحرب هنا، ودارت أعين الإعلام الأميركي نحو دارفور، تبدت لنا الفظائع بحق المدنيين، هناك، وصار إعلامنا العربي مهتما بمأساة الأشقاء. الأمل معقود على مبعوث السيد الرئيس ليضع حدا للكارثة.وحين ألقى البيت الأبيض بثقله خلف الموقف المغربي من أزمة الصحراء، تحرك مجلس الأمن أخيرا، واتخذ قرارا تاريخيا لصالح إقامة حكم ذاتي تحت العلم المغربي. لم يترك القرار للجزائر فرصة للمناورة، وإن لم تنصع للقرار، قد تؤدي توصية من مبعوث أميركي إلى فرض عقوبات على الجزائر. من دون تدخل أميركا لم يكن لهذا الصراع الممتد لعقود طويلة أن يجد سبيله للحل.شعار "أميركا أولا" لم يسعف إدارة ترامب لتدير ظهرها للعالم. العالم لم يترك أميركا وشأنها. يتبرم الكثيرون من دورها، ويكرهها الكثيرون في العالم العربي، لكن أحدا منهم لا يستغني عن دورها. أول ما تقع أزمة في عالمنا، يكون السؤال عن موقف أميركا منها. وعلى أساس هذا الموقف، تتموضع الدول والحكومات.ليس في الأفق القريب ما يشير إلى أن العالم مستعد للاستغناء عن الدور الأميركي. حتى في أزمة مثل أوكرانيا التي يقف فيها عملاق نووي على الطرف الثاني، يبدو دور واشنطن لا غنى عنه للطرفين. فما بالك في منطقة كعالمنا العربي الذي تمزقه الحروب والصراعات. غياب أميركا عنه سيجعله مثل مستشفى بلا أطباء.وحدها أميركا التي تشعل الحروب وتطفئها.أميركا التي لا غنى عنها
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ