في عصر أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لم تعد الكلمة أو الصورة مجرد وسيلة للتعبير، بل أصبحت أداة قوية تؤثر في الرأي العام وتصل إلى الجميع في لحظات. ومع هذا الانتشار الكبير للأسف، ظهرت بعض الاستخدامات الخاطئة التي تجاوزت حدود الأدب والاحترام، حتى وصلت إلى حدّ الاستهزاء والسخرية بالآخرين أو بمؤسسات الدولة، تحت شعار “الإضحاك” أو “الشهرة”.
تكمن خطورة هذه التصرفات في أنها لا تسيء إلى شخص بعينه فقط، بل تمس هيبة الدولة وسمعتها ومكانتها أمام شعبها والعالم. فحين يتحول الحديث عن أي مؤسسة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية إلى مادة للسخرية أو التهكم، فإن ذلك يضعف ثقة المواطن بمؤسساته ويقلل من احترام الرموز التي تجمع المواطنين تحت مظلة الدولة.من الطبيعي أن يختلف الناس، وأن تُوجَّه الانتقادات، لكن هناك فرق كبير بين النقد البنّاء الذي يهدف للإصلاح وبين السخرية التي تهدم وتقلل الاحترام. النقد الحضاري يقوم على الكلمة المسؤولة، وعلى احترام الشخص والموقع، أما السخرية فهي شكل من أشكال الهدم الأخلاقي والاجتماعي، وتؤدي إلى نتائج سلبية لا تُحمد عقباها.النائب أو الوزير أو القاضي أو الموظف العام هو في النهاية إنسان وجد لخدمة المواطن، ومن حق الجميع تقييم أدائه، ولكن بأسلوب راقٍ يعكس وعي المجتمع وثقافته، لا بالاستهزاء أو التشويه. لذلك، من الضروري وجود قانون واضح وصارم يجرّم الإساءة عمدًا إلى مؤسسات الدولة أو رموزها، فحماية هيبة الدولة ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية لضمان استقرارها وتماسكهاقد أصبح قطاع صُنّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي يشكل جانبًا مهمًا من المشهد الرقمي والاجتماعي. بعض المؤثرين يحققون أرباحًا كبيرة من الإعلانات والمشاهدات دون خضوع واضح للأنظمة المالية، بينما يفتقر جزء من محتواهم إلى المسؤولية الاجتماعية، ويعتمد على الجدل أو الإساءة بهدف جذب المتابعين، مما يؤثر سلبًا على القيم العامة وصورة المجتمعويجب تنظيم عمل صُنّاع المحتوى ووضع إطار تنظيمي واضح، يشمل تسجيلهم في منصة رسمية، وتحديد ضوابط للإعلانات والمحتوى الربحي، مع تعزيز الوعي بضرورة الالتزام بمعايير الأخلاق الإعلامية والمسؤولية الرقمية. إن هذا التنظيم لا يعني تقييد حرية التعبير، بل يهدف إلى تحقيق التوازن بين حرية النشر والالتزام بالقيم والأنظمة، بما يضمن بيئة رقمية عادلة وآمنة تعود بالنفع على المجتمع والاقتصاد معًالقد أصبح الحديث في هذا الموضوع طويل، بل مؤلم، لأننا نشاهد يوميًا محتوى يستخفّ بمكانة مؤسساتنا ومسؤولينا، أو يستغل منصات التواصل لجذب الانتباه بطريقة غير مسؤولة. وهذا أمر لا يُطاق، ولا يليق بمجتمع واعٍ ومتحضّروأتمنى من مجلس النواب والحكومة أن يتقدما بمشروع قانون يعالج هذه الظواهر بشكل واضح وصارم، وأن تتبنى حملات توعوية لتذكير الجميع بأن “هيبة الدولة” ليست مجرد شعار، بل انعكاس لاحترامنا لأنفسنا ووطننا ومؤسساتنا”، وأن يتحلّى صُنّاع المحتوى والمسؤولون عن الكلام على المنصات الرقمية بالوعي والمسؤولية تجاه المجتمع.حمى الله وطني وقيادتنا الحكيمة.الخلايلة يكتب: الكلمة الواعية والمسؤولية الرقمية لحماية المجتمع والدولة
مدار الساعة ـ