1. الإطار المفاهيمي والتحليل الجيولوجي والجغرافي لوادي الأردن
0.1. وادي الأردن ضمن سياق حفرة الانهدام الكبرىيُعدّ وادي الأردن إحدى المكونات الجغرافية الأكثر تعقيداً وأهمية استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وينبع التباين في تحديد حدوده من اختلاف المنظور المعتمد في التعريف—سواء كان جيولوجياً، هيدرولوجياً، أو إدارياً. والأساس العلمي لوادي الأردن هو كونه جزءاً رئيسياً من منظومة صدعية عملاقة تُعرف باسم الوادي المتصدع الكبير (Great Rift Valley) أو حفرة الانهدام الشامي. تمتد هذه المنظومة التكتونية من تركيا شمالاً، مروراً بلاد الشام والبحر الأحمر، وصولاً إلى شرق أفريقيا.1.1. المنشأ الجيولوجي والخصائص التكتونية لحوض الانهدام الشاميمن الناحية الجيولوجية، يمثل وادي الأردن المنخفض الطبوغرافي الناتج عن الحركة التكتونية النشطة. وتتميز المنطقة بانحدار حاد، حيث تهوي المرتفعات على الحافة الشرقية (هضبة شرق الأردن) بشكل مفاجئ نحو صدع البحر الميت ووادي الأردن. يمثل هذا الصدع وحدة فيزيائية متصلة لا تعترف بالمسطحات المائية الداخلية كحواجز نهائية. وداخل هذا المنخفض، يبرز البحر الميت كأخفض بقعة على سطح اليابسة، حيث يقع على ارتفاع حوالي 422 متراً تحت مستوى سطح البحر. هذا الانخفاض الدراماتيكي هو السمة المميزة للمنظومة التكتونية بأكملها.تُعرّف المراجع التي تتبنى النطاق الجيولوجي الإقليمي وادي الأردن بأنه مرادف لـ "منظومة الانهدام الأردني" كوحدة فيزيائية متصلة. ووفقاً لهذا التعريف، فإن وادي عربة يُعد الامتداد الجنوبي المباشر لحفرة الانهدام، وصولاً إلى خليج العقبة. هذا المنظور الجيولوجي الأوسع يفرض نظرة إقليمية ضرورية عند التعامل مع القضايا البيئية العابرة للحدود؛ فالوادي كاملاً، بما فيه وادي عربة، يشكل "جسراً بيئياً" استراتيجياً وممراً للطيور المهاجرة بالملايين سنوياً، مما يستوجب إدارته كوحدة إيكولوجية متكاملة. هذا الإدراك هو ما دفع إلى التخطيط لإدارة متكاملة للنظم البيئية تشمل محميات في غور الأردن ومحميات جنوب البحر الميت في غور فيفا ووادي عربة (محمية قطر).2.1. الامتداد الجغرافي والتباين الوظيفيجغرافياً، يُقسم الامتداد الأردني لحفرة الانهدام إلى ثلاثة مكونات رئيسية: غور الأردن (شمال البحر الميت)، البحر الميت، ووادي عربة (جنوب البحر الميت). وعلى الرغم من الوحدة الجيولوجية والتكتونية التي تربط هذه الأجزاء، يمثل البحر الميت نقطة تحول حاسمة تفصل بين نظامين وظيفيين مختلفين.فشمال البحر الميت، يعتمد النظام البيئي والزراعي بشكل أساسي على المياه السطحية لنهر الأردن وروافده. في المقابل، يختلف نظام وادي عربة المائي، حيث يعتمد على المياه السطحية والجوفية بشكل رئيسي، وتكتسب المنطقة جنوب البحر الميت أهمية اقتصادية إضافية تتمثل في الثروات المعدنية المتنوعة كالنحاس والمنجنيز. هذا التباين في الاعتماد على الموارد يبرر الفصل الإداري والوظيفي.2. التحليل الهيدرولوجي ونظام حوض نهر الأردن0.2. وادي الأردن هيدرولوجياً: المجرى السفلي وحوض النهرالتعريف الهيدرولوجي هو الأضيق والأكثر شيوعاً عند الحديث عن وادي الأردن في السياق الوظيفي والمائي، وهو ما يفسر لماذا تُحدد بعض المراجع الوادي بأنه يمتد فقط إلى شمال البحر الميت.1.2. حدود حوض نهر الأردنوادي الأردن جزء لا يتجزأ من حوض نهر الأردن، وهو حوض دولي تتشاطأ فيه خمسة أطراف. هيدرولوجياً، ينقسم النهر إلى مجرى علوي (شمال بحر الجليل) ومجرى سفلي. المجرى السفلي، الذي يُطلق عليه عادة "وادي الأردن" في سياقات المياه، يمتد لمسافة 120 كيلومتراً، متعرجاً بانحدار إجمالي يبلغ 210 أمتار من بحر الجليل إلى مصبه النهائي.يُعد البحر الميت بحيرة نهائية (Terminal Lake) لا يوجد بها أي مخرج، مما يعني أن المنظومة الهيدرولوجية السطحية لنهر الأردن تنتهي بشكل قاطع عند دخوله إلى البحر الميت. هذا الواقع العلمي هو السبب المباشر الذي يدفع المراجع التي تركز على الجريان المائي وحوض النهر إلى تحديد وادي الأردن بـ "شمال البحر الميت".2.2. الأهمية الاستراتيجية والمائيةيعتمد المجرى السفلي لوادي الأردن بشكل كبير على روافده الشرقية، التي تنبع من المرتفعات الأردنية والسورية. أهم هذه الروافد هو نهر اليرموك، الذي يشكل أكبر رافد للمجرى السفلي ويحدد حدوداً دولية وإقليمية، ونهر الزرقاء. تاريخياً، ارتبط وادي الأردن بالصراع على الموارد المائية، بما في ذلك محاولات تحويل مياه نهر اليرموك ونهر الأردن لري الأراضي المجاورة.يواجه الأردن تحدياً حاداً لكونه من أفقر دول العالم في نصيب الفرد من الموارد المائية المتجددة. هذا الواقع جعل الإدارة المائية في منطقة الأغوار، التي تعتبر سلة الغذاء للمملكة الأردنية الهاشمية، مسألة أمن قومي واقتصادي. وللتخفيف من هذا النقص، يتم تطبيق استراتيجيات متقدمة تشمل صيانة وتطوير الينابيع والآبار الجوفية، والحصاد المائي، واستخدام المياه العادمة المعالجة، وصولاً إلى إحياء مشاريع البنية التحتية مثل قناة الغور الغربية. وقد أدى هذا التحدي إلى ضرورة تفويض الإدارة إلى سلطة وظيفية متخصصة بدلاً من الأطر الإدارية العامة.3. التعريف الإداري والوظيفي الأردني (الأغوار الثلاثة)0.3. وادي الأردن إدارياً: سلطة الوادي والولاية الوظيفيةإدارياً، لا يُعرّف وادي الأردن بالاعتماد على التقسيم التقليدي للمحافظات والألوية (مثل ألوية الزرقاء والطفيلة أو مادبا التي تطل عليه).2 بدلاً من ذلك، تُدار المنطقة كوحدة تنظيمية متخصصة ذات ولاية مستقلة ممثلة في "سلطة وادي الأردن"، التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والأمن الغذائي من خلال تحسين إدارة الموارد المائية والزراعة.1.3. حدود سلطة وادي الأردن (الأغوار الثلاثة)يغطي التعريف الإداري الأردني منطقة الأغوار الثلاثة: الشمالية، الوسطى، والجنوبية. وتُحدد الحدود الجغرافية لولاية سلطة وادي الأردن بشكل وظيفي لتشمل الحزام الزراعي المروي كاملاً. يمتد هذا النطاق بشكل رسمي ليشمل "أربعة وخمسين حوضاً من العدسية شمالاً إلى غور الصافي في الجنوب".تكمن أهمية هذا التحديد الإداري في أنه يتجاوز النهاية الهيدرولوجية لنهر الأردن. فغور الصافي يقع جنوب البحر الميت مباشرة، وهو آخر بقعة زراعية خصبة ومروية قبل أن تبدأ صحراء وادي عربة. يوضح امتداد الحدود الإدارية لسلطة الوادي إلى غور الصافي أن الإدارة الأردنية تتبع الخصوبة والاحتياجات المائية الزراعية، وأنها تنظر إلى الأغوار كمنطقة تنموية موحدة بغض النظر عن الحواجز المائية الداخلية.2.3. الفصل الإداري بين الغور ووادي عربةرغم أن غور الصافي يقع جنوب البحر الميت، فإن الولاية التنظيمية لسلطة وادي الأردن لا تشمل كامل وادي عربة الممتد جنوباً نحو العقبة. يُعامل وادي عربة ككيان إداري وقضائي منفصل (قضاء وادي عربة).يعكس هذا الفصل الإداري تبايناً في الوظيفة الإقليمية والتخصص الاقتصادي. فالأغوار (وادي الأردن الإداري) متخصصة في الإنتاج الزراعي والري، بينما وادي عربة له أهمية في الثروات المعدنية (النحاس والجبس) والسياحة. كما أن هذا الفصل مدعوم بالترتيبات السياسية، حيث توجد نقاط حدودية منفصلة تحمل اسم "وادي الأردن" (جسر الملك حسين) و "وادي عربة".4. التوفيق بين التناقضات المرجعية (وادي الأردن مقابل وادي عربة)يعود وجود مراجع تحدد وادي الأردن بشمال البحر الميت وأخرى تمده إلى وادي عربة إلى اختلاف في الأولوية التحليلية: هل يتم التركيز على الجريان السطحي، أم الوحدة التكتونية، أم الولاية الإدارية؟1.4. تحليل سبب التناقض المرجعي1.1.4. المنظور الهيدرولوجي والجيوسياسي (النطاق الضيق)يعتمد هذا المنظور على المصب النهائي لنهر الأردن. عندما تتناول المراجع القضايا الجيوسياسية، فإنها غالباً ما تركز على منطقة وادي الأردن وشمال البحر الميت. هذا التركيز ينبع من أن السيطرة على هذا الجزء هي سيطرة مباشرة على مصدر المياه السطحية الرئيسية في الحوض. بالنسبة لهذه المراجع، يعد وادي الأردن هو المنطقة الحيوية التي تمتد من بحر الجليل إلى البحر الميت، وتشكل المنطقة التي تتكثف فيها اتفاقيات السلام والنزاعات المتعلقة بالحقوق المائية.1.2.4. المنظور الجيولوجي والبيئي (النطاق الواسع)هنا، يتم النظر إلى الوادي ككل متكامل ضمن حفرة الانهدام الكبرى، مما يربط بين غور الأردن ووادي عربة. هذا المنظور لا يمكن تجاوزه في قضايا التخطيط الإقليمي أو البيئي؛ فالتدهور البيئي في منطقة ما (مثل انخفاض منسوب البحر الميت) يربط المنطقتين بيئياً، ويجب أن يكون التخطيط الإقليمي واعياً لهذه الوحدة. التخطيط الفعال لا يمكن أن يفصل بين وادي الأردن ووادي عربة إذا كان الهدف هو تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد المشتركة.1.3.4. المنظور الإداري (النطاق الوظيفي)يبرز المنظور الإداري الأردني كحل عملي يوازن بين التعريفين. فمن خلال توسيع ولاية سلطة وادي الأردن لتشمل غور الصافي، تكون المملكة قد اعترفت بضرورة استمرار الإدارة الموحدة للأنشطة الزراعية جنوب البحر الميت. وفي الوقت نفسه، فإن الفصل الإداري بين الغور ووادي عربة كنطاقين مختلفين في التسمية والتعامل، يؤكد على استراتيجية التنمية المتخصصة، حيث يتم تخصيص كل منطقة وفقاً لمواردها وإمكاناتها الاقتصادية المختلفة (الزراعة في الغور مقابل الثروات المعدنية في عربة).5. الخلاصة والتوصيات الاستراتيجية0.5. الخلاصة التعريفية والتركيب المفاهيمييعتمد الجواب على السؤال حول حدود وادي الأردن على الزاوية التحليلية المعتمدة:1. إدارياً: وادي الأردن هو الأغوار الثلاث (الشمالية والوسطى والجنوبية)، وتمتد ولايته ضمن حدود سلطة وادي الأردن من العدسية شمالاً إلى غور الصافي جنوب البحر الميت.2. هيدرولوجياً: ينتهي وادي الأردن عند شمال البحر الميت، كونه المصب النهائي لنهر الأردن.3. جغرافياً/جيولوجياً: وادي الأردن هو جزء من حفرة الانهدام الكبرى، ولهذا، فإن بعض المراجع الجيولوجية والبيئية تمد النطاق إلى وادي عربة وصولاً إلى خليج العقبة نظراً للوحدة التكتونية والبيئية المستمرة.التباين المرجعي هو انعكاس لتقاطع الحدود التكتونية (الواسعة) مع الحدود الوظيفية (المائية والإدارية)، إذ أن نهاية النهر عند البحر الميت (الحد الهيدرولوجي) لا تتطابق مع نهاية الشريط الزراعي المروي (الحد الإداري لغور الصافي)، وكلاهما لا يتطابق مع نهاية الصدع الجيولوجي (العقبة).1.5. التوصيات الاستراتيجية للمخططين وصناع القراربناءً على التداخل الجغرافي والوظيفي لوادي الأردن، يوصى بما يلي:1. اعتماد التخطيط الإقليمي المتكامل في الدراسات الشاملة. هذا يضمن عدم إهمال وادي عربة وتحدياته الجوفية والمعدنية، وربطها بالتحديات المائية في الأغوار، مما يحقق إدارة متكاملة ومستدامة للموارد على طول الشق الأردني بأكمله.2. تعزيز حوكمة الموارد المائية والاستمرار في دعم دور سلطة وادي الأردن (JVA) كإدارة متخصصة ذات صلاحيات واسعة لضمان استمرار الأمن الغذائي في الأغوار. يتطلب ذلك التركيز على تحسين إدارة المياه الزراعية، وتعزيز استخدام تقنيات توفير المياه مثل الزراعة المائية، وتبني استراتيجيات لمواجهة التغيرات المناخية ونقص الموارد المائية الحاد. 3. الحفاظ على الوضوح الجيوسياسي في المحافل الدولية، نظراً للأهمية الحيوية لهذه المنطقة للسلام الإقليمي والاستقرار.المصادر وقراءات اضافية:1. الوادي المتصدع الكبير - ويكيبيديا2. كونا : بيئيون يعكفون على توفير الحماية لوادي الاردن من اثار التطوير والتغير المناخي - الصحة والبيئة - 23/07/20083. التضاريس والتشكيلات - Presses de l’Ifpo4. نهر الأردن - ويكيبيديا5. وادي عربة - المعرفة6. وادي عربة - ويكيبيديا7. تورس : هل تنازل العرب عن حقوقهم المائية في حوض نهر الأردن ..."لأسرائيل" إعداد : المهندس فضل كعوش"الفجرنيوز"8. السياسات المائية في حوض نهر الأردن - ويكيبيديا9. Water Resources in Jordan: A Review of Current Challenges and Future Opportunities10. "وادي الأردن" و"الفاو" تبحثان سبل تعزيز التعاون لتحقيق التنمية المستدامة11. المياه في منطقة الأغوار12. التقسيم الإداري في الأردن - ويكيبيديا13. قائمة ألوية الأردن - ويكيبيديا14. مشاريع الدائرة - دائرة الاراضي والمساحة15. حدود الأردن - ويكيبيديا16. الأردن: ضم وادي الأردن وشمال البحر الميت ينهي كل فرص السلام | PNN17. ﺘﺠﺎرب ﻋرﺒﻴﺔ ودوﻟﻴﺔ - ﻓﻲ اﻟﺘﺨطﻴط اﻹﻗﻟﻴﻤﻲالركيبات تكتب: لغز الحدود المتضاربة لوادي الأردن
الدكتورة رشا الركيبات
باحثة علوم وسياسات نظام الأرض
باحثة علوم وسياسات نظام الأرض
مدار الساعة ـ