في خضمّ ما شهدته الجامعة الأردنية مؤخرًا من مشاجرة مؤسفة هزّت الرأي العام، تتعالى الأصوات المطالبة بالحزم، وهي دعوة مشروعة حين تكون من أجل حماية الحرم الجامعي وصون هيبته. غير أن الحزم إذا تجاوز حدَّ العدل تحوّل إلى ظلم، والعقوبة إذا جاوزت قصد الإصلاح أصبحت قطيعةً مع روح التربية ومعنى التعليم.
ومن غير المنصف أن تُوصف الحادثة بأنها مشاجرة عشائرية، فالعشائر الأردنية الأصيلة كانت وما تزال ركيزة الإصلاح وحاضنة القيم، تُطفئ نار الفتنة ولا تُشعلها، وتغلب لغة الصلح والعقل على الانفعال والعنف. وما يحدث بين مجموعةٍ من الطلبة لا يُمكن أن يُنسب إلى عشائرهم، فالعشيرةُ لا تُختزل في تصرفات أفرادٍ في لحظة طيش، بل تُعرف بثوابتها في إصلاح ذات البين وصون كرامة الإنسان.إنّ فصلَ الطالب نهائيًا من جامعته قرارٌ لا يمسّ الحاضر فحسب، بل يقطع جذر المستقبل. فكيف نُعلّم أبناءنا أن الخطأ فرصة للتقويم، ونحن نغلق في وجوههم باب التوبة والتعديل؟ الجامعة ليست سجنًا، بل ميدان تربيةٍ وإعداد، ومؤسسة علمية رسالتها تهذيب السلوك قبل منح الشهادات. إنّ الخطأ، مهما عَظُم، يمكن معالجته بالعقوبة التربوية الرادعة والمتدرجة، كالفصل لفصلٍ دراسي أو فصلين، مع برامج تأهيلية وإرشادٍ نفسي وسلوكي يعيد الطالب إلى وعيه ودوره الإيجابي في مجتمعه.أما الفصل الكلي، فهو حكمٌ بالإقصاء، لا يُصلح ولا يُربي، بل يزرع في نفس الشاب إحساسًا بالقهر قد يفتح أبوابًا من الانحراف واليأس. إذا كان الهدف من العقوبة هو الإصلاح، فإن العدل يقتضي أن تكون بقدر الذنب، لا بما يُطفئ الغضب الآني أو يُرضي الرأي العام.لقد آن الأوان أن تُراجع الجامعات سياساتها التأديبية بمنهجٍ تربويٍّ إصلاحي، يوازن بين هيبة المؤسسة الأكاديمية وحقّ الطالب في فرصةٍ ثانية. ففي النهاية، التربية الحقّة لا تقسو لتكسر، بل تقسو لتُصلح. والجامعة التي تُنصف طلابها، تُخرّج مواطنين أحرارًا يعرفون معنى المسؤولية قبل أن يحملوا شهاداتهم.العايش تكتب: بين العقاب والإصلاح.. الجامعة ليست ساحةَ إعدامٍ للمستقبل
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
العايش تكتب: بين العقاب والإصلاح.. الجامعة ليست ساحةَ إعدامٍ للمستقبل
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ