أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: المدرسة منارةُ قيمٍ لا ساحةُ رقصٍ.. نداء لإعادة الهيبة التربوية


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: المدرسة منارةُ قيمٍ لا ساحةُ رقصٍ.. نداء لإعادة الهيبة التربوية

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

لم تُخلق المدرسة لتكون ساحة رقصٍ أو منصة استعراض، بل لتكون منبرًا للعلم، ومهدًا للقيم، وبيئةً تصوغ العقول وتبني الوجدان. غير أنّ ما نشهده اليوم في بعض المدارس الخاصة من مشاهد لم تألفها البيئة التربوية — معلمين ومعلمات يرقصون مع الطالبات داخل الصفوف أو في الساحات — يعدّ تجاوزًا خطيرًا لمفهوم التربية، وإساءةً لرسالة التعليم التي تقوم أساسًا على القدوة والانضباط والاحترام المتبادل.

إنّ هذا السلوك، وإن تذرّع البعض بأنه “كسر للروتين” أو “تقريب للطلبة”، لا يمتّ بصلةٍ للنهج التربوي الراسخ، بل ينسف الحدود الأخلاقية التي تحفظ للمعلم هيبته وللطالب احترامه. فالمعلم ليس مؤدّيًا أمام جمهور، بل مربٍ يحمل أمانة التوجيه والتنشئة. وكلّ تصرفٍ يخرج عن الإطار التربوي يزرع في نفوس الطلبة مفاهيم مغلوطة حول الحرية والانضباط والعلاقة مع المعلم.

إنّ أخطر ما في الأمر ليس المشهد ذاته، بل أثره النفسي العميق في وعي الطلبة. إذ يربكهم بين صورة المربي القدوة وصورة الرفيق العابث، فيتزعزع لديهم الإحساس بالأمان النفسي والحدود السلوكية. فالطالب الذي يرى معلمه يرقص أو يشارك في تصرفات غير منضبطة، يفقد تدريجيًا ثقته بمكانة المعلم، وتضعف لديه دافعية الاحترام والانضباط.

ولأنّ التربية ليست ترفيهًا، بل مسؤولية ورسالة، فإنّ مثل هذه السلوكيات لا تُبرَّر تحت أيّ ذريعة، بل يجب أن تُواجَه بالحزم والمساءلة، حفاظًا على هيبة المؤسسة التعليمية وصورة المربي أمام طلابه ومجتمعه.

المدرسة ليست مجالًا لتسويق الانفتاح المزيّف ولا لتغليف الفوضى بثوب “التفاعل”، بل هي الحاضن الأول للانضباط والوعي والقدوة. وإنّ ترك مثل هذه المظاهر يتفشّى دون محاسبةٍ أو تقويم، هو تهاونٌ في أخطر أركان العملية التربوية.

إننا بحاجةٍ إلى أن نعيد ضبط البوصلة التربوية، وأن نستحضر هيبة المربي وقيمة الرسالة التعليمية في وجدان كل معلم ومدير وولي أمر. فالتربية لا تُختزل في فرحٍ لحظة، بل تُقاس بأثرٍ يبقى في النفوس طويلاً.

ولْيتذكّر كل من ينتمي إلى مهنة التعليم أنّ المعلم لا يُقاس بمدى قدرته على إثارة الإعجاب، بل بقدر ما يتركه من أثرٍ نقيّ في عقول طلابه وسلوكهم. فحيث تسقط الهيبة، تسقط التربية، وحين تضيع الحدود، يضيع المعنى.

مدار الساعة ـ