مدار الساعة-لم يعد الطب الدقيق مجرد مفهوم مستقبلي، بل هو الآن التوجه الرئيسي الذي يقود الثورة الصحية في عام 2025. إذا كان الهدف السابق للطب هو «علاج الجميع بالطريقة نفسها»، فإن الهدف الحالي، بقوة الدفع الهائلة للذكاء الاصطناعي، هو «علاج كل فرد بالطريقة الأنسب لجيناته وخلاياه الفريدة»، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي.
عصر الأناقة الجينية لقد تحول المشهد الطبي من الطب العام إلى «عصر الأناقة الجينية»، حيث يعمل الباحثون على تطوير طرق ثورية لتحليل البيانات البيولوجية المعقدة (المُوميات المتعددة)، لإنشاء خطط علاجية مخصصة لدرجة مذهلة، تحقق كفاءة غير مسبوقة في مكافحة الأمراض المستعصية، وعلى رأسها السرطان. إن قلب الطب الدقيق يكمن في تحليل كميات ضخمة من البيانات الوراثية والجزيئية، وهنا يبرز دور الذكاء الاصطناعي كـ «قارئ الشفرة» المطلق. تستخدم خوارزميات التعلم العميق لتحليل ليس فقط تسلسل الحمض النووي (الجينوميات)، بل أيضاً التعبير الجيني (الترانسكريبتوميات)، والبروتينات (البروتيوميات)، والمستقلبات (الميتابولوميات). هذا التحليل المتكامل يخلق «فيلم ثلاثي الأبعاد ملون» للوضع الصحي للمريض بدلاً من «صورة أحادية اللون مسطحة»، ما يكشف عن الأنماط والتفاعلات الخفية التي تفشل العين البشرية في التقاطها.اكتشاف الواسمات الحيوية يستطيع الذكاء الاصطناعي غربلة تريليونات نقاط البيانات لتحديد «واسمات حيوية» جديدة (مؤشرات جزيئية) تنبئ بدقة عالية بخطر الإصابة بمرض معين، أو كيفية استجابة المريض لعلاج محدد، وذلك قبل ظهور الأعراض بسنوات. التطبيق الأكثر إبهاراً للذكاء الاصطناعي في الطب الدقيق هو في مجال علاج الأورام، حيث يتحول علاج السرطان من عملية «تجربة وخطأ» إلى خطة مصممة بدقة متناهية، وتقوم منصات الذكاء الاصطناعي (مثل تلك التي طورتها شركات رائدة) بتحليل الطفرات الجينية لورم المريض، ومقارنتها بقواعد بيانات ضخمة تضم ملايين سجلات المرضى والنتائج السريرية. ويتم اقتراح العلاج الموجَّه الأنسب (Targeted Drug) أو تركيبة الأدوية الأكثر فعالية لقتل خلايا الورم تحديداً مع تقليل الآثار الجانبية.تطوير التوائم الرقمية أصبحت الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء «توائم رقمية» افتراضية للمريض. هذا التوأم يحاكي تطور المرض والاستجابة المحتملة لمختلف الأدوية، ما يسمح للأطباء باختبار خيارات علاجية آمنة في بيئة افتراضية قبل تطبيقها على المريض الفعلي. ولم يكتفِ الذكاء الاصطناعي بتخصيص العلاج الحالي، بل بدأ بإعادة تشكيل عملية صناعة الأدوية برمتها، حيث تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتصميم جزيئات دوائية جديدة بالكامل من الصفر (في السيليكو)، تكون مصممة خصيصاً لاستهداف بروتينات مسببة للمرض. هذا يقلل من الوقت اللازم لاكتشاف الأدوية من سنوات إلى أشهر، ويقلل من التكلفة بنسبة هائلة. ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين تصميم التجارب السريرية، ويحدد بسرعة ودقة المرضى الذين يطابقون معايير التجربة الجينية المعقدة.كيف يحوّل الذكاء الاصطناعي 'الطب الدقيق' إلى حقيقة مبهرة؟
مدار الساعة ـ











