تُعدّ ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية من القضايا التي تتجاوز حدود المؤسسات التعليمية لتغدو قضية مجتمعية ووطنية تمسّ الأمن المجتمعي وهيبة وسيادة القانون. هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، لكنها تفاقمت بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وضعف أدوات الضبط القيمي، وتراجع ثقافة الانتماء الجامعي.
تبدأ المعالجة من الأسرة، فهي النواة الأولى لتنشئة الفرد، وحين يتهاون الأهل في مراقبة سلوك أبنائهم، أو يُبررون العنف بأنه “نخوة” أو “شجاعة” أو “دفاع عن الكرامة”، فإنهم يُسهمون في تكريس منطق القوة على حساب منطق الدين والأخلاق والقانون. لدلك يجب على الأسر أن تُعيد بناء مفهوم البطولة لدى أبنائها، بحيث تكون في العلم والخلق والإبداع، لا في التعدي على الآخرين أو الاستعراض داخل الحرم الجامعي.أما العشيرة وهي الوحدة الاجتماعية التي لا تقلّ أهمية عن دور المؤسسات الرسمية في ضبط إيقاع القيم والتقاليد الاجتماعية بما تمثله من سلطة اجتماعية ومرجعية قيمية فهي قادرة على توجيه سلوك أبنائها وتأكيد احترام القانون، بدل الاكتفاء بالجاهات والمصالحات التي تصبّ في مصلحة الخارجين على القانون لتُخفّف من العقوبة تحت مسمى التسامح، والمطلوب أن تتحول الوجاهة العشائرية إلى رافعة لتعزيز السلم الأهلي ومنع الاعتداء قبل وقوعه.أما وزارة التعليم العالي والجامعات، فلا بدّ لنا أن نعترف بأنها مارست دورها المطلوب في تحمّل مسؤولية بناء الوعي المجتمعي والقيمي من خلال مناهجها الدراسية وإطلاق المبادرات الفكرية والثقافية وإشراك الطلبة في حوارات مسؤولة، ومنحهم مساحة للتعبير عن الرأي بطرق حضارية، ولكن يجب أن يتم التركيز بشكل أكبر من قبل أعضاء الهيئة التدريسية في ترسيخ قيم التلاحم بين أفراد المجتمع واحترام الآخر واظهار مدى انعكاس دلك على الأمن والسلم المجتمعي.أما عن دور الجامعات في تطبيق العقوبات على الطلبة، فأقصى صلاحية يمكن أن يُخوّلها القانون للجامعات هي الفصل الدائم للطلبة المتورطين بالعنف. غير أن الاقتصار على هذه العقوبة إجراء غير كافٍ ولا يحقق الردع المطلوب، فكثير من المشاركين في الفوضى والعنف الطلابي هم من أصحاب المعدلات المتدنية أو المهددين بالفصل الأكاديمي، الذين يسعون إلى افتعال المشاجرات لتبرير إخفاقهم أمام أسرهم ومجتمعهم. ولذلك يجب على السلطة التشريعية أن تُعيد تكييف جريمة العنف الطلابي في القانون الأردني لتُصنّف على أنها جريمة تقع على أمن الدولة وهيبتها، وتغليظ عقوبتها؛ باعتبار أن الجامعة مؤسسة عامة ذات سيادة رمزية ووطنية، وأن المساس بها هو مساس بكرامة الدولة ذاته.لذلك فإن الدور الأكبر والحيوي يقع على عاتق أعضاء كلٍّ من مجلس الأمة والأحزاب السياسية، فهما الجهتان المخوّلتان بتحويل الوعي الاجتماعي إلى إرادة تشريعية. وعليه، فإن واجب النواب لا يقتصر على استنكار الظاهرة في الجلسات وتوجيه اللوم للجامعات وكوادرها ومناهجها، بل يجب أن يتحول إلى اقتراح تعديلات تشريعية تُغلّظ العقوبات وتُجرّم كل من يشارك أو يحرّض أو يُبرّر العنف داخل الحرم الجامعي. وعلى الأحزاب السياسية أن تبدأ بدورها التربوي والتثقيفي في نشر ثقافة المشاركة السياسية السلمية واحترام القانون كأداة تغيير لا كأداة صراع.وفي موازاة الجهود التشريعية، لا يمكن إغفال الدور الأهم للإعلام الوطني بقطاعيه العام والخاص، باعتباره الشريك الأول في توجيه الرأي العام، والتعامل مع أحداث العنف الطلابي بمسؤولية مهنية عالية؛ فلا يُضخّم الحوادث ولا يُبرّرها، بل يُسلّط الضوء على أسبابها الحقيقية ويُعزّز صورة النجاحات التي وصلت إليها بعض جامعاتنا، وعلى رأسها الجامعة الأردنية، التي قوبلت بقصور إعلامي واضح في إبراز تلك النجاحات كرافعة وطنية من أهم روافع الوطن، وكقائدة للتقدم العلمي في جميع المجالات. وكذلك يجب إبراز دور الطالب الملتزم والمتميّز علميًا. كما أن على المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي واجبًا وطنيًا لا يقلّ أهمية؛ إذ إن خطابهم يصل إلى فئة الشباب مباشرة، وهم قادرون على تشكيل وعيٍ جمعي جديد يقوم على نبذ العنف وإعلاء قيمة الكلمة والحوار على الفوضى والعنفإن مواجهة العنف الطلابي مسؤولية وطنية مشتركة، تتكامل فيها أدوار الأسرة والعشيرة والجامعة والإعلام والبرلمان والأحزاب، ضمن رؤية واحدة تُعيد للجامعة مكانتها كمحرابٍ للعلم، لا ساحةٍ للخصومة. فحين يدرك الطالب أن الجامعة تمثل الدولة، وأن المساس بها هو مساس بهيبة الوطن، عندها فقط سننتصر للتعليم وللقانون معًا.الدكتور مشعل الماضي – الجامعة الأردنيةالماضي يكتب: العنف الطلابي في الجامعات بين مسؤولية المجتمع وهيبة الدولة
الدكتور مشعل الماضي
كلية الحقوق - الجامعة الأردنية
الماضي يكتب: العنف الطلابي في الجامعات بين مسؤولية المجتمع وهيبة الدولة
الدكتور مشعل الماضي
كلية الحقوق - الجامعة الأردنية
كلية الحقوق - الجامعة الأردنية
مدار الساعة ـ