أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: من النمو الذاتي إلى القيادة التعليمية.. رحلة المعلم المتعلم نحو الإلهام والتجديد


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: من النمو الذاتي إلى القيادة التعليمية.. رحلة المعلم المتعلم نحو الإلهام والتجديد

مدار الساعة ـ

▫سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الثالثة:

التمكين المعرفي والمهاري للمتعلمين: من التلقين إلى التمكين نحو تعليم نشط وفعّال

(الأثر المستدام والتطوير المهني المتجذّر ).

▫ المقال الأول:

من النمو الذاتي إلى القيادة التعليمية:

( رحلة المعلم المتعلم نحو الإلهام والتجديد )

بداية العام الدراسي ليست مجرد انطلاقة جديدة للطلبة، بل هي فرصة متجددة للمعلم كي يراجع ذاته، ويجدد أدواته، ويعيد تشكيل مسيرته المهنية بروح الباحث المتأمل، لا الموظف المكرّر.

فالمعلم الذي يتعلم هو الذي يقود، ومن يتوقف عن التعلم يتوقف عن الإلهام.

في زمن تتسارع فيه أدوات التعليم والمعرفة، لم يعد التعلم الذاتي خيارًا هامشيًا، بل أصبح ضرورة وجودية تضمن للمعلم بقاءه في دائرة التأثير والعطاء.

فالمعلم القائد لا ينتظر التدريب الرسمي ليطوّر ذاته، بل يصنع لنفسه بيئة تعلم يومية ينمو فيها معرفيًا ومهاريًا ووجدانيًا.

▫ مفهوم النمو المهني الذاتي:

النمو الذاتي ليس نشاطًا وقتيًا ولا دورة تدريبية تُضاف إلى السيرة الذاتية، بل هو فلسفة حياة مهنية تجعل من المعلم باحثًا متجددًا في علمه، مبدعًا في أدواته، ناقدًا لتجربته، ومتطلعًا دائمًا نحو الأفضل.

والمعلم المتعلم يدرك أن كل موقف صفّي هو فرصة للتأمل والتحسين، وأن كل تحدٍّ يواجهه هو مختبر للتفكير الإبداعي والابتكار التربوي.

▫ ملامح المعلم المتعلم:

المعلم المتعلم هو الذي:

يسعى لاكتساب مهارة جديدة كل أسبوع، ولو بسيطة.

يخصص وقتًا يوميًا للقراءة أو المشاهدة التربوية الهادفة.

ينفتح على زملائه بالتبادل المهني والمناقشة التعاونية.

يوظّف التقنية الرقمية لخدمته المهنية، لا لتثقله.

يحوّل الموقف الصفّي إلى حالة بحثية تفاعلية.

وهو الذي يسائل ذاته دائمًا:

ماذا تعلّمت اليوم؟

ماذا أضفت لطلابي؟

وما الذي يحتاج إلى تطوير في أدائي؟

▫ خطوات عملية لبناء خطة تعلم ذاتي أسبوعية

يمكن للمعلم أن يصمم خطة تعلم ذاتية بسيطة ومرنة وفق تسلسل أسبوعي على النحو الآتي:

اليوم الأول: تحديد موضوع تعلم جديد مرتبط بالمجال التخصصي أو المهاري (مثل إدارة الصف الإبداعية أو توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم).

اليوم الثاني: البحث عن مادة إثرائية حول الموضوع (مقال، فيديو، دورة قصيرة).

اليوم الثالث: تلخيص أهم ما تم تعلمه في نقاط عملية قابلة للتطبيق.

اليوم الرابع: تنفيذ فكرة واحدة داخل الصف أو أثناء الإشراف التربوي.

اليوم الخامس: تأمل التجربة وكتابة ملاحظات حول أثرها على الطلبة.

اليوم السادس: مشاركة الفكرة مع زميل أو في مجموعة تربوية رقمية.

اليوم السابع: راحة وتأمل واستعداد لموضوع جديد.

إن اتباع هذه الدورة الأسبوعية البسيطة كفيل بتحويل التعلم الذاتي من نية إلى عادة، ومن عادة إلى ثقافة، ومن ثقافة إلى تميز مهني متراكم.

▫ أدوات رقمية مساعدة للنمو الذاتي

لقد أصبحت الأدوات الرقمية حليفةً للمعلم الباحث.

فمنصات مثل ChatGPT وGoogle Gemini وCanva for Education وYouTube EDU تفتح أمام المعلم آفاقًا غير محدودة للتعلم والإبداع.

يستطيع المعلم من خلالها:

إعداد خطط دروس تفاعلية.

تصميم وسائط تعليمية جذابة.

تحليل أدائه عبر أدوات الذكاء الاصطناعي.

تطوير محتوى رقمي يخدم مادته وطلابه.

لكن الشرط الأساس أن تبقى الأداة في خدمة الهدف التربوي، لا أن يتحول الهدف إلى مجاراة التقنية.

فالقيمة الحقيقية ليست في عدد الأدوات التي يستخدمها المعلم، بل في الأثر الذي تتركه في تعلم طلبته.

▫ ثقافة التمكين والقيادة التعليمية

النمو الذاتي لا يكتمل إلا حين يتحول إلى تمكين للآخرين.

فالمعلم القائد هو الذي ينقل شغفه إلى زملائه وطلابه، ويشارك ما تعلمه معهم بسخاء، ويصنع من فريقه مجتمع تعلم حيّ نابض بالحوار والابتكار.

إنّ التمكين المهني لا يُقاس بعدد الدورات، بل بعدد العقول التي أسهم المعلم في تطويرها، وعدد المبادرات التي انطلقت من إلهامه.

فكل معلم يتقن التعلم الذاتي، يصبح مدرسة من الإلهام المتجدد، ولبنة في بناء بيئة مدرسية متعلمة.

▫ من تمكين المعلم إلى تمكين الطالب

إنّ رحلة التمكين تبدأ من المعلم، لكنها لا تنتهي عنده.

فحين يتعلم المعلم بوعي وينمو ذاتيًا بانتظام، ينعكس أثر ذلك مباشرة في أداء طلابه، فيتعلمون بشغف ويشاركون بفعالية.

وعندما يمارس المعلم التأمل والتجريب، يهيّئ لطلابه بيئة تُحفّزهم على التفكير، وتدربهم على الإبداع وحل المشكلات.

وهكذا يصبح تمكين المعلم أساسًا لتمكين الطالب، وتتحول المدرسة إلى منظومة تعلم حية يتبادل فيها الجميع المعرفة والخبرة والنمو معًا.

▫ رسائل تربوية للمعلمين

لا تنتظر تدريبًا مركزيًا لتتطور، ابدأ بنفسك.

لا تُثقل نفسك بكمٍّ كبير من المعلومات، ركّز على القليل المفيد المستمر.

تعلّم من تجاربك، ودوّنها، وشاركها مع الآخرين.

اجعل من كل أسبوع فرصة جديدة لاكتساب مهارة أو فكرة.

تذكّر أن الطالب المتجدد يبدأ من معلم متجدد.

▫في نهاية المطاف، المعلم الذي يتعلم باستمرار هو الذي يملك مفاتيح التغيير الحقيقي في المدرسة والمجتمع.

فهو ليس ناقلًا للمعرفة، بل صانعها، وليس متلقّيًا للتدريب، بل مولّدًا له.

وإذا كان التعليم رسالة، فإنّ النمو الذاتي هو وقودها الذي لا ينفد.

▫ رحلة المعلم المتعلم تبدأ بسؤال بسيط:

"ماذا سأتعلم هذا الأسبوع؟"

لكنها تنتهي بجواب عظيم:

"لقد أصبحت معلمًا قائدًا... يُلهم لا يُكرّر."

مدار الساعة ـ