أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

السعودي يكتب: فَلَنْتينا قَسيسيَّة .. تَوقيعاتُ الضَّوءِ على جُدرانِ المَعرِفَةِ


إسماعيل السعودي

السعودي يكتب: فَلَنْتينا قَسيسيَّة .. تَوقيعاتُ الضَّوءِ على جُدرانِ المَعرِفَةِ

مدار الساعة ـ
السعودي يكتب: فلنتينا قسيسيّة .. توقيعات

في زمنٍ تتهدَّده الظِّلالُ الثَّقيلةُ، وتتوعَّده مجازاتُ الخرابِ، تأتي امرأةٌ من وهجٍ صافٍ، تُشعل شمعةً؛ لا لتُبدِّد الظلمةَ فقط، وإنَّما لتؤسِّسَ لزمنٍ جديدٍ.

لم تأتِ فَلَنْتينا قَسيسيَّةُ إلى الثقافةِ من بابِ الطارئِ أو المجاملةِ، بل دخلتها كما تدخل العاشقاتُ حقلًا من القصائدِ، لا يقطفنَ وردةً للزينةِ، وإنَّما ليغرِسنَ جذرًا، ويروينَ الأمنيّاتِ.

ليستْ ممَّن يعبُرون المكانَ مرورًا عابرًا، ولا من أولئك الذين يزيِّنون المشهدَ بعباراتٍ مدوَّرةٍ وخِطاباتٍ وظيفيَّةٍ. حين تمشي، لا تترك وراءَها خُطًى عاديَّةً، وإنَّما تفتح ممرّاتٍ جديدةً في الوعيِ، وتوقظ في الجدران إحساسًا بجدوى أن تكون حيًّا في حضرةِ الفكرةِ.

جاءتْ إلى مؤسَّسةِ عبدِ الحميدِ شومان، لا لتجلس على كُرسيِّ الإدارةِ كما يجلس كثيرونَ، بل لتفكِّك الطاولاتِ من جمودِها، وتزرع في كلِّ زاويةٍ وردةً، وفي كلِّ كتابٍ حلمًا، وفي كلِّ ملفٍّ مشروعًا ينبض بالأسئلةِ.

كانت، ولا زالت، لا تُدير العملَ… بل تُحبُّه، ولا تُنشِئ المشاريعَ… بل تفتح نوافذَها على الضوءِ، وتجعل كلَّ فكرةٍ صغيرةٍ، إذا ما لامستْ يدَ طفلٍ أو قارئٍ، تتحوَّل إلى وسيلةِ مقاومةٍ معرفيَّةٍ ضدَّ التهميشِ والتقليدِ والعتمةِ.

نحن أمامَ امرأةٍ لم تُساوِمْ على المعنى، ولم تتنازلْ للبرودِ الإداريِّ، ولم ترفعْ شعاراتٍ برَّاقةً لتخدِّرَ السؤالَ، بل طرحتْ سؤالًا واضحًا منذ البدايةِ:

كيف نمنع الثقافةَ من أن تُحنَّط داخلَ متحفٍ، وتُعرَض كأثرٍ منقرضٍ بدلَ أن تُعاش كنَبضٍ يوميٍّ؟

وكيف نحرس الأحلامَ من الغرقِ؟

في مؤسَّسةِ شومان، حيث تلتقي المعرفةُ بالأملِ، تحوَّلتِ المؤسَّسةُ على يديها إلى ما يُشبِه “الوطنَ الصغيرَ للثقافةِ”، لا يُقصي أحدًا، ولا ينغلق على ذاتِه. فالمكتبةُ هناك لم تعدْ مجرَّدَ أرففٍ، بل مختبرُ ضوءٍ، ومائدةٌ للنقاشِ، وحديقةٌ للطفولةِ.

في كلِّ مشروعٍ، كانت تُعيد تعريفَ الأشياءِ:

“المالُ ليس تبرُّعًا… بل فرصةٌ،

والكتابُ ليس منتجًا… بل حياةٌ،

والطفلُ ليس رقمًا… بل كائنٌ يُربَّى على الحلمِ، ويُعِدُّ نفسَه للوطنِ.”

لم تكن مديرةً، كانت القلبَ الداخليَّ للمكانِ، والحاسَّةَ السادسةَ للثقافةِ، والرّوحَ التي تُضيء ولا تملُّ. عرفتْ كيف تُحوِّل النيَّةَ الطيِّبةَ إلى سياسةٍ ثقافيَّةٍ، وكيف تجعل من الطموحِ ممارسةً يوميَّةً، لا مجرَّد سطرٍ في إستراتيجيَّةٍ.

جعلتْ من جائزةِ أدبِ الأطفالِ فعلَ إيمانٍ باللغةِ، ومن منتدى شومان منبرًا للجميعِ، ومن مختبرِ الابتكارِ حديقةَ دَهشةٍ للجيلِ القادمِ. وحين تسألها عن فلسفتِها في القيادةِ، تُجيب ببساطةٍ تُشبِهها:

“أنا لا أُدير… أنا أُحبُّ،

ولا أُنجِز المشاريعَ… بل أفتحُ نوافذَها على الضوءِ.”

فَلَنْتينا، مشغولةٌ بالنورِ، وها هي في مؤسَّسةِ شومان من وهجٍ لا يذوي، تُحرِّر الثقافةَ من زجاجِ النُّخبِ، وتحوِّلها إلى موسمٍ دائمٍ للفرحِ في حاراتِ عمّان وعيونِ الأطفالِ.

لها أن تنام على وسادةِ المؤسَّسةِ وقد تركتْ فيها أثرًا لا يُمحى، وذاكرةً تُروى في الندواتِ، كما تُروى في الحكاياتِ الكبرى. لم تكن مديرةً عابرةً، بل كانت حارسةً للمعنى، وشريكةً في صياغةِ المستقبلِ.

فلتبقَ كما هي؛

تُلوِّح للمستقبلِ بيدٍ من ضوءٍ، وبيدٍ من كتابٍ

مدار الساعة ـ