العاقل في تعامله مع البشر لا يخدعه البريق، ولا تأسره القشور، ولا تُغريه الأسماء الطنانة ولا الألقاب الرنّانة.

فهو يدرك أن المظاهر سرعان ما تتقشّع، وأن ما يبقى بعد زوال الزينة هو الجوهر، والعقل، والخلق.

كم من إنسانٍ صمتُه أبلغ من خطبٍ مطوّلة، وفعله أصدق من ألف ادّعاء!

وكم من آخرٍ لمعَ اسمه في الأفق كلمعة برقٍ خاطف، ثم انطفأ حين اقتربت منه العيون لتكشف هشاشة الداخل وضعف الأساس.

إن المظاهر تُخدع، والألسن تزيّن، لكنّ المواقف لا تكذب.

العاقل لا يُقيم الناس بثيابهم ولا بسياراتهم ولا بمناصبهم، بل بما يحملونه في عقولهم وقلوبهم من فكرٍ نقي ومبدأٍ راسخ وأدبٍ رفيع.

ذلك أن القيم لا تُشترى، والمروءة لا تُكتسب بالتزيين، إنما تُبنى في أعماق النفس منذ الصغر وتُروى بماء التجارب والصدق.

ولذلك كان من تمام الحكمة أن تُبنى العلاقات على العقل لا على الشكل، وعلى المبدأ لا على المصلحة، وعلى الاحترام لا على الانبهار.

فالناس يُعرفون عند المواقف، لا عند المظاهر.

احذر أن تفتنك الزينة المؤقتة، فإنّ الزجاج أيضًا يلمع، لكنه ليس جوهرًا كريمًا كالماس.

وابحث دومًا عن من يُغني فكرك، ويهذّب خُلقك، ويذكّرك بربك، فهؤلاء كنوز لا تبهت ألوانهم ولا تُزيف معادنهم.