منذ اندلاع العدوان الأخير على قطاع غزة، عاش الشعب الفلسطيني واحدة من أعنف المراحل الإنسانية والسياسية في تاريخه المعاصر، حيث تواصلت آلة الحرب الإسرائيلية في تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين وفرض حصار خانق أرهق الحياة اليومية لأهل غزة. ومع اقتراب لحظة وقف إطلاق النار، تنفس الغزيون الصعداء مؤقتًا، إلا أن آثار الحرب تركت جروحًا عميقة مادية ومعنوية، تحتاج إلى جهود عربية ودولية حقيقية لإعادة الإعمار وإحياء الأمل.
وقف إطلاق النار لا يعني نهاية المعاناة في غزة، بل هو بداية مرحلة جديدة من التحديات السياسية والإنسانية. فعلى الصعيد الإنساني، يواجه أهل غزة واقعًا مأساويًا يتمثل في نقص الغذاء والدواء والمأوى، إضافةً إلى صدمة نفسية هائلة أصابت آلاف الأطفال والأسر. أما سياسيًا، فإن الهدوء المؤقت يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل سيؤدي وقف إطلاق النار إلى عملية سياسية حقيقية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه؟ أم أنه مجرد هدنة تكتيكية تعيد الاحتلال ترتيب أوراقه؟منذ اليوم الأول للعدوان، كان الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في طليعة الدول التي تصدت سياسيًا ودبلوماسيًا لهذا العدوان الغاشم. فقد تبنى الأردن خطابًا عربيًا عقلانيًا قويًا يقوم على مبدأ الدفاع عن الشعب الفلسطيني ورفض استهداف المدنيين، مع التأكيد على ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.تحركات جلالة الملك لم تقتصر على الخطاب الإعلامي، بل تجلت في جولات دبلوماسية مكوكية شملت واشنطن، وبروكسل و دول أوروبيّة و عربية عده ، إضافة إلى اتصالات مكثفة مع قادة العالم، لتثبيت الموقف الأردني الثابت بأن لا أمن ولا استقرار في المنطقة دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.برز صوت الأردن في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة كأحد الأصوات العربية القليلة التي جمعت بين الحكمة السياسية والجرأة الأخلاقية. فقد شدد الملك عبدالله الثاني في كل مناسبة على أن الصمت الدولي تجاه الجرائم في غزة يمثل ازدواجية خطيرة تهدد منظومة القيم والعدالة العالمية، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية.كما أطلق الأردن مبادرات إنسانية واسعة، أبرزها الجسر الجوي الذي نقل مئات الأطنان من المساعدات الطبية والغذائية إلى القطاع، إضافة إلى إنشاء مستشفيات ميدانية أردنية داخل غزة والضفة الغربية، تأكيدًا على أن الموقف الأردني ليس مجرد تضامن لفظي، بل التزام عملي وإنساني.من منظور سياسي، يمكن القول إن وقف إطلاق النار شكّل استراحة إنسانية مؤقتة، لكنه لم يُنهِ جذور الصراع. فالاحتلال ما زال قائمًا، والحصار مستمر، والحقوق الفلسطينية ما زالت مُصادرة. ومع ذلك، فإن صمود أهل غزة رغم المآسي، وحجم التضامن العربي الشعبي، والدور الأردني المحوري في إعادة القضية إلى واجهة الاهتمام الدولي، كلها عوامل تعيد الأمل بإمكانية تحقيق تحول سياسي قادم يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في وجدان الأمة والعالم.إن وقف إطلاق النار في غزة ليس نهاية فصل، بل بداية اختبار جديد للضمير الدولي وللقدرة العربية على توحيد الموقف السياسي والإنساني. ويبقى الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، نموذجًا للثبات والاتزان، ومدافعًا صلبًا عن الحق الفلسطيني في وجه الظلم والازدواجية، مؤكدًا أن الأردن سيبقى البوصلة الأخلاقية والسياسية في الدفاع عن القدس وفلسطين مهما اشتدت العواصفوإذا كانت غزة اليوم تتنفس بعد الألم، فإن الأردن هو الرئة التي تمدها بالهواء النقي من كرامة وعروبة وموقف. فكل جهدٍ دبلوماسي، وكل صوتٍ أردني في المنابر الدولية، هو شاهد على أن الحق لا يموت ما دام في هذه الأمة رجالٌ يحمونه.نسأل الله أن يحفظ الأردن وقيادته الهاشمية، وأن يديم على وطننا نعمة الأمن والاستقرار، وأن يوفق جلالة الملك عبدالله الثاني في مساعيه النبيلة من أجل نصرة الحق، ورفع الظلم، وإعلاء كلمة العدل والسلام. سيبقى الأردن، بعزيمته وإيمانه، قلعةً شامخة في وجه الظلم، وسندًا لا يتخلى عن فلسطين، وموقفًا عربيًا صادقًا يضيء طريق الكرامة للأمة جمعاء.مقدادي يكتب: وقف إطلاق النار في غزة وانعكاساته على أهلها.. قراءة سياسية في ضوء الجهود الأردنية الدبلوماسية
م. ثائر عايش مقدادي
مقدادي يكتب: وقف إطلاق النار في غزة وانعكاساته على أهلها.. قراءة سياسية في ضوء الجهود الأردنية الدبلوماسية
مدار الساعة ـ