أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

المجالي يكتب: بين مطرقة العادة وسندان التيسير.. مبادرة 'المهور والأعراس' ومخاض التغيير الاجتماعي


نضال انور المجالي
متقاعد عسكري

المجالي يكتب: بين مطرقة العادة وسندان التيسير.. مبادرة 'المهور والأعراس' ومخاض التغيير الاجتماعي

نضال انور المجالي
نضال انور المجالي
متقاعد عسكري
مدار الساعة ـ

في خطوة جريئة لامست عصب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، وجه وزير الداخلية، مازن الفراية، كتاباً إلى الحكام الإداريين يعرض فيه مبادرة تهدف إلى تقليل المهور، وتحديد أعداد الحضور في مناسبات الخطبة، والعُرس، والعزاء. هذه المبادرة، وإن جاءت بصبغة إدارية، إلا أنها فتحت الباب على مصراعيه لجدل مجتمعي حول ثنائية: هل الأولوية للتنظيم الحكومي أم للحرية الشخصية؟

التيسير الاقتصادي: ضرورة لا رفاهية

لا يمكن لأحد أن ينكر أن المبادرة تأتي استجابةً لأزمة حقيقية. فقد تحول الزواج في مجتمعاتنا من رابط مقدس إلى عبء مالي كارثي. أصبحت متطلبات المهور الفلكية وحفلات الزفاف الباذخة ديوناً ثقيلة تدفع الشباب إلى تأخير الزواج أو الإحجام عنه، مما يفاقم المشكلات الاجتماعية والتركيبة العمرية للمجتمع.

من هذا المنطلق، تُعد المبادرة "صيحة إنذار" حاسمة بأن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استنزاف المظاهر الاجتماعية لجيوب المواطنين. تحديد سقف للمهور (وهو هدف المبادرة الأساسي) وتحديد أعداد المدعوين ليس سوى محاولة لوضع المجتمع على مسار التعقل، وتخفيف الضغط الذي يمارسه "التباهي الاجتماعي" الفارغ. إن التيسير في الزواج هو أساس شرعي واجتماعي يجب العودة إليه.

حرية العائلات وهاجس التدخل الإداري

لكن المبادرة لم تسلم من التحفظ المشروع، خصوصاً في جزئية تحديد أعداد الحضور (30 للخطبة و 200 للعرس ويوم واحد للعزاء). هنا يبرز سؤال جوهري: إلى أي مدى يحق للسلطة التنفيذية التدخل في تفاصيل العلاقات الاجتماعية والعائلية الخاصة؟

يرى المنتقدون أن هذه التحديدات قد تبدو تعدياً على الحرية الشخصية وخصوصية العائلات التي قد تكون كبيرة أو ذات علاقات واسعة. الزواج والعزاء هما مناسبتان ترتبطان بالنسيج الاجتماعي العميق، وقد تختلف عادات وطبيعة العلاقات من منطقة لأخرى. كما أن تطبيق مثل هذه التحديدات إدارياً قد يكون صعباً في الممارسة، ويحوّل الاحتفال إلى مصدر قلق من تجاوز العدد المسموح به.

الرهان على الوعي لا على التعميم

إن جوهر المشكلة ليس في عدد المدعوين أو أيام العزاء، بل في ثقافة المظاهر الاجتماعية التي حولت المناسبات إلى مسابقات للوجاهة. لذلك، يجب أن تكون المبادرة الإدارية للوزير شرارة لـ "ثورة وعي" مجتمعي، وليس مجرد قانون للتنفيذ.

على الأسرة أن تدرك أن تغيير هذه العادات يجب أن ينبع من إرادتها الذاتية. إذا لم يقتنع المجتمع بأن البساطة قوة والتباهي ضعف، فإن أي قرار إداري سيبقى "مسكناً" مؤقتاً.

باختصار؛ إن مبادرة وزير الداخلية خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، تستحق الدعم والتأييد لجديتها في معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. لكن النجاح الحقيقي لن يكون في قوة القرار الإداري، بل في مدى قدرة هذا القرار على تحفيز المجتمع لفرض "رقابة ذاتية" على العادات البالية. التغيير يبدأ من قناعاتنا الداخلية، والدولة اليوم تدعونا بقوة إلى اختيار التيسير على التعقيد، والجوهر على المظهر.

هل ستكون هذه المبادرة بداية لتحرير الشباب من قيود الأعراف المنهكة، أم ستظل مجرد محاولة إدارية عابرة؟ هذا ما سيحدده وعي الأسرة وقرارها.

حفظ الله الاردن والهاشمين

مدار الساعة ـ