أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

عباسي تكتب: ممشى شارع الستين.. خطوة نحو مدينة نابضة بالثقافة والإبداع


د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة

عباسي تكتب: ممشى شارع الستين.. خطوة نحو مدينة نابضة بالثقافة والإبداع

د. هبة عباسي
د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة
مدار الساعة ـ

في قلب كلّ خطوةٍ تخطوها مدينةٌ نحو مشروعٍ يعزّز جودة الحياة فيها، تُروى حكاية عظيمة من التفاني والعطاء من أجل وطننا العزيز. ونحن كمواطنين، نخطو معها أيضًا نحو إنسانٍ أكثر اتصالًا بمكانه ومجتمعه وأرضه.

تبدو مبادرة أمانة عمّان الأخيرة بإنشاء ممشى في شارع الستّين خطوةً نوعيّة تعيد الإنسان إلى مركز التخطيط الحضري، وتضعه في قلب المدينة، وتفتح آفاقًا جديدة للعلاقة بين المواطن والفضاء العام على أسس الراحة، والصحّة، والأمان. لكن، لماذا لا تتحوّل هذه الخطوة إلى رؤيةٍ أوسع تجعل من الممشى مساحةً للحياة الثقافيّة، لا مجرّد ممرٍّ للحركة؟ فضاءً تمتزج فيه الرياضة بالفنون، والحركة بالإبداع، والإنسان بالمكان.

فالمدن ليست مجرّد أبنيةٍ وشوارع وبنىً تحتيّة، بل تشبه الكائنات الحيّة التي تتطوّر وتتغيّر تبعًا لتفاعلاتها الداخليّة وأفعال سكّانها؛ من التفاعل الاجتماعي والنشاط الاقتصادي إلى التعبير الفنّي والثقافي. سواء كانت المدن تاريخيّة أو حديثة، تجاريّة أو سكنيّة، فإنّها تعيش وتتجدّد بقدر ما تنبض بالحياة في شوارعها وفضاءاتها العامّة.

لذلك، فإنّ مشروعًا مثل مشروع الممشى يمكن أن يتجاوز حدوده الوظيفيّة ليصبح جزءًا من سرديّة عمّان الثقافيّة. وقد أكّدت دراسات اليونسكو أنّ المدن التي تستثمر في الفنون العامّة يزداد فيها الإحساس بالانتماء، وتقلّ فيها مستويات التوتّر. فعندما نرى لوحةً جداريّة تعبّر عن هويّتنا المحليّة، أو نسمع موسيقى حيّة في الحديقة، فإنّنا نعيش لحظاتٍ فريدة من التفاعل الإنساني الحقيقي، ونزداد ارتباطًا بالمكان وانتماءً إليه.

وتقدّم لنا العديد من مدن العالم شواهد حيّة على كيفيّة تحويل الفضاء العام إلى مساحاتٍ إبداعيّة ومنصّاتٍ للتجريب الفني. فقد تحوّل خطّ القطار القديم في نيويورك إلى ممرّ مشاة يُعرف باسم "High Line"، يحتضن أعمالًا فنية وحدائق معلّقة، وفي لندن أصبحت ضفّة نهر التايمز الجنوبيّة وجهةً للفنون والموسيقى والمسرح، حيث تلتقي الثقافة بالحركة والسياحة. ويوجد العديد من النماذج الأخرى التي تثبت أنّ الفنون لا تعيش في القاعات المغلقة فقط، بل في المدن والشوارع التي يسير فيها الناس كلّ يوم.

وفي مدننا الأردنيّة، لماذا لا تلتقي جهود أمانة عمّان مع وزارة الثقافة والجامعات والمعاهد الفنيّة لابتكار بيئاتٍ حاضنة وميادين للإبداع داخل المماشي والحدائق العامّة؟ ربّما آن الأوان أن نفكّر ونُطلق مبادراتٍ جديدة تحمل روح مشروع شارع الستّين، ولكن في بُعدٍ ثقافيٍّ أوسع وأعمق ليشمل الفنون جميعها؛ الرسم، والموسيقى، والمسرح، والشعر، والتراث... ممشى للّون والضّوء والكلمة والصّوت والجمال!

مدار الساعة ـ