أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

عباسي تكتب: مؤشّرات الثقافة 2030.. التجربة الأردنيّة بين العالميّة والمحليّة


د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة

عباسي تكتب: مؤشّرات الثقافة 2030.. التجربة الأردنيّة بين العالميّة والمحليّة

د. هبة عباسي
د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة
مدار الساعة ـ

قبل أيّام قليلة شارك الأردنّ، ممثّلًا بمعالي وزير الثقافة مصطفى الرواشدة، في مؤتمر اليونسكو العالمي للسياسات الثقافيّة والتنمية السياسيّة (موندياكولت 2025) الذي عُقِد في مدينة برشلونة. وقد استوقفتني هذه المشاركة المهمّة للأردن العظيم؛ الصغير بحجمه لكن الكبير بأفعاله وطموحاته وتطوّره. فحضور الأردن في هذا المحفل العالمي الذي يناقش قضايا الثقافة وقياس مؤشّراتها يعني أنّ للمملكة بصمة واضحة على الساحة الثقافيّة الدولية.

مؤشّرات الثقافة؛ هذا المصطلح الذي أطلقته اليونسكو عام 2019 على إطارٍ مفاهيمي وعملي يتكوّن من مؤشّرات مواضيعيّة، يهدف إلى قياس ورصد مدى مساهمة الثقافة في تحقيق أهداف خطّة التنمية المستدامة 2030 على المستويين المحلي والعالمي.

وتأتي تجربة الأردن في اعتماد مدينة السلط، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، كنموذج عملي يبرهن كيف يمكن للمدن أن تضع الثقافة في صميم التنمية المستدامة المحليّة وتعزيز الابتكار الاجتماعي والاقتصادي. فالمشروع الأردني في هذا المجال ليس مجرّد تجربة رمزية، بل هو محاولة جادّة لترجمة الثقافة إلى سياسات ملموسة تنعكس على المجتمع. وقد شكّل المشروع فريقًا مختصًّا إلى جانب فريق وطني ضمّ ممثّلين عن وزارات مختلفة كالتخطيط والتعاون الدولي، والماليّة، والسياحة والآثار، والتربية والتعليم، والصناعة والتجارة، والشباب، والبيئة، والعمل، بالإضافة إلى دائرة الإحصاءات العامّة، ومؤسّسات المجتمع المدني.

من هنا تبرز أهميّة إدماج الثقافة في جميع المجالات، بما ينعكس على التربية المدنيّة باعتبارها جزءًا من بناء المواطنة والانتماء، فضلًا عن دور الفنون المختلفة – من موسيقى ومسرح وشعر وتصميم وتراث – في تجسيد الرموز الوطنيّة ونقلها إلى الأجيال الجديدة. كما أنّ إدخال مفهوم الاقتصاد الثقافي يسهم في فتح مجالات عمل أمام الشباب في الصناعات الثقافيّة والإبداعيّة، بينما يتيح ربط الثقافة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية قياس مدى مشاركة الناس في الأنشطة الثقافيّة وانخراطهم في الحياة المدنيّة.

الثقافة ليست ترفًا ولا كماليّات، بل هي ضرورة وأساس لبناء المجتمع وركيزة مهمّة للهويّة والتنمية، بل تعدّ بُعدًا أساسيًّا من أبعاد التنمية المستدامة. وما يميّز التجربة الأردنية أنّها استطاعت، خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، أن تضع لنفسها مكانة مهمّة في المشهد الثقافي الدولي. فربط المؤشّرات العالمية مثل مؤشّرات الثقافة 2030 بالتجربة المحليّة يمنح الأردن ثقلًا يتجاوز حجمه الجغرافي، ويجعله طرفًا مؤثّرًا وعنصرًا قويًّا من عناصر صياغة مستقبل الثقافة العالمي.

وإذا كنا قد احتفلنا قبل أعوام قليلة فقط بمئويّة الدولة الأردنيّة، فإن ما تحقّق في الميدان الثقافي يعكس حجمًا أكبر من عمر السنوات؛ حجمًا ثقافيًا يُظهر قدرة هذا الوطن الصغير بحجمه والكبير بإنجازاته على تقديم نموذج ملهم ومهمّ للعالم.

هذا ما يعطينا الأمل دائمًا بأن المستقبل سيحمل للأردنّ الحبيب مكانةً أوسع وحضورًا أعمق في صناعة الثقافة، محليًا وإقليميًا ودوليًا. لكن الوصول إلى هذه المكانة يتطلّب المثابرة والإصرار على الاستثمار في الثقافة؛ فبالرغم من التحدّيات والصعوبات التي تشهدها الساحة الثقافيّة، أثبت الأردن قدرته على التميّز وإثبات ذاته. فما بالُنا إذا استطعنا أن نتخطّى هذه التحدّيات ونحوّلها إلى فرص للنمو والازدهار؟

مدار الساعة ـ