في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي دخل يومه الـ726، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة جديدة للسلام ووقف إطلاق النار، بالتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحفي مشترك بتاريخ 29 سبتمبر 2025. وقد تضمن الإعلان تهديدات واضحة باتخاذ إجراءات حاسمة إذا رفضت حركة حماس المقترح المكون من عشرين بندًا.
وقد أُجريت في الساعات الأخيرة مناقشات حساسة حول الخطة، حيث قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، في مؤتمر صحفي: "أستطيع أن أؤكد لكم أن هناك مناقشات حساسة للغاية تجري، لكنني لا أريد التسرع في إصدار أي بيان من هنا.سأترك الأمر للمبعوث الخاص ستيف ويتكوف وللرئيس الأميركي للتعامل معه".. وأضافت أن المهلة التي منحها ترامب لحركة حماس بين 3 و4 أيام لا تزال سارية، متوقعة أن يأتي الرد قريبًا.
ورغم أن حركة حماس لم تشارك في صياغة الخطة ولم تُستشَر بشأن تفاصيلها، قام الوسيطان القطري والمصري بتسليم نسخة منها إلى قيادة حماس. وقد وعدت الحركة بدراستها بشكل "مسؤول" وتقديم رد رسمي بعد التشاور مع الفصائل الفلسطينية الأخرى.بينما رحبت السلطة الفلسطينية بالخطة، إلا أنها كما جرت العادة، تكتفي بالدور الحذر، في حين أبدت بعض الدول العربية والإسلامية استعدادها لدعم الخطة، على الرغم من أنها جاءت وفق الشروط الإسرائيلية، و لم يكن لحركة حماس دور فيها. ومع ذلك، فإن تنفيذ الخطة لا يزال يواجه تحديات جوهرية، أبرزها:الشرط بتفكيك البنية التنظيمية لحماس ونزع سلاحها.الغموض في آليات الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وهو غموض قد يؤخر التنفيذ.رفض نتنياهو لفكرة الدولة الفلسطينية وتمسكه بالسيطرة الأمنية على غزة.غياب ضمانات واضحة لتنفيذ الخطة رغم الترحيب العربي بها.الخطة تتضمن الأهداف الإسرائيلية، مع التعديل الذي سمح لنتنياهو بالقول إن دولًا عربية وإسلامية انضمت إلى دعم موقف إسرائيل. وكان من المفترض أن تصر الدول العربية والإسلامية على شروطها كما أصرت إسرائيل على شروطها. لكن هذا لم يحدث، مما جعل الخطة تقتصر على وعود عامة، شبيهة بوعد بلفور، وتساهم في تجريد الفلسطينيين من حقوقهم في الداخل والخارج، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة والشتات الاجئين حق العودة.الخطة تفتقر إلى ضمانات حقيقية، ويبدو أن إسرائيل نجحت في إدخال تعديلات جوهرية على النص قبل الإعلان عنها، ما جعل النسخة النهائية أكثر توافقًا مع الموقف الإسرائيلي. بحسب تقرير موقع "أكسيوس" الأميركي، نجح نتنياهو في إدخال تغييرات أساسية على الخطة في لقائه مع المبعوثين الأميركيين، ما جعل النسخة النهائية أكثر ملاءمة للمطالب الإسرائيلية.من أبرز هذه التعديلات:ربط الانسحاب الإسرائيلي من غزة بنزع السلاح، مما يفتح الباب أمام تأجيل غير محدد لهذه الخطوة.إبقاء إسرائيل على وجود عسكري في "محيط أمني" داخل غزة لفترة غير محددة، حتى في حال التزام الفلسطينيين بالشروط.أما عن محتوى الخطة، فهي تعاني من عدة نقاط غامضة وتفتقر إلى الضمانات، في حين تلبي العديد من الشروط الإسرائيلية المتمثلة في:غياب مفهوم الدولة الفلسطينية بشكل واضح: الخطة تتناول الدولة الفلسطينية كـ "طموح" وليس كحق شرعي معترف به دوليًا، وهو ما يتناقض مع المواقف الدولية التي تعتبر إقامة الدولة الفلسطينية شرطًا أساسيًا لتحقيق سلام دائم.تهميش السلطة الفلسطينية: الخطة تتجاهل دور السلطة الفلسطينية في تنفيذ الخطة، وتُؤجل مشاركتها إلى ما بعد "إصلاحات واسعة"، دون تحديد معايير واضحة.غموض في إدارة قطاع غزة: الخطة تشير إلى تشكيل "لجنة فلسطينية" من غير السياسيين بإشراف هيئة دولية، لكن لم تحدد آلية تشكيلها أو صلاحياتها.انسحاب إسرائيلي غير محدد زمنيًا: رغم الحديث عن انسحاب تدريجي، لا توجد معايير واضحة تحدد متى وكيف يتم الانسحاب، مما يفتح المجال أمام التأجيل.قوة دولية بلا تفويض واضح: تتحدث الخطة عن نشر قوة دولية مؤقتة في غزة، ولكن دون تحديد الدول المشاركة أو مهام هذه القوة، مما يعزز الشكوك حول فعاليتها.الرأي العام الأمريكي والعربيأما على صعيد الرأي العام الأمريكي، فقد شهد تحولًا ملحوظًا ضد إسرائيل، حتى في داخل أوساط حركة "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مجددًا)، التي تُعد القاعدة الانتخابية الصلبة لترمب. هذا التحول جعله تحت ضغط متزايد، خاصة مع تنامي الشكوك بين قادة الحركة حول مدى التزامه بشعار "أميركا أولًا"، مقارنة بما يرونه انحيازًا إلى شعار "إسرائيل أولًا". وقد زاد الإحباط داخل دائرة ترمب المقربة نتيجة ما اعتُبر ميلًا من نتنياهو إلى التدخل في السياسة الداخلية الأمريكية.في لقاء جمع نتنياهو بعدد من المؤثرين الأمريكيين المحافظين على وسائل التواصل الاجتماعي في 26 سبتمبر 2025، طلب منهم دعمه في "القتال" لصالح إسرائيل على الإنترنت. وشنّ نتنياهو هجومًا عنيفًا على ما وصفه بـ "اليمين المستيقظ" (The Woke Right)، مستخدمًا مصطلح "Woke" كإهانة سياسية، واصفًا إياهم بـ "المجانين والمختلين". وكان من أبرز من طالتهم هجماته المذيع اليميني الشهير تاكر كارلسون، الذي بدأ ينتقد إسرائيل بشكل متزايد، واتهم نتنياهو مؤخرًا بأنه "يتفاخر بتحكّمه في ترمب"، وهو ما نفاه نتنياهو.على المستوى العربي، يواصل العرب انقساماتهم ما بين مؤيد للمقاومة ومابين معارض لها ومنهم من يرى بأن حماس من ترتكب جريمة وليس اسرائيل بحكم انها هي التي اشعلت فتيل الحرب ونسو السنوات والمذابح السابقة التي قامت بها اسرائيل و اصبح هناك يساريون يميلون الى (الرايخ المستيقظ) ربما لانه تربطهم علاقة مع ترمب غير العلاقة السياسية على رأي ترمب انه أنهى سبع حروب خلال سبعة أشهر فقط. ويرى أن نجاحه في إنهاء حرب غزة قد يمنحه إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا. وفي الختام لا تمثل الخطة الأمريكية، بصيغتها المعدّلة وفق الرؤية الإسرائيلية، إطارًا حقيقيًا للسلام في قطاع غزة، بل تبدو أقرب إلى محاولة لإخضاع الفلسطينيين والشرق الاوسط بأسرها لمنطق الهيمنة والغطرسة الإسرائيليتين. وفعليًا، لا تُقدَّم الخطة إلى حماس باعتبارها عرضًا تفاوضيًا، وإنما تُطرح بوصفها دعوة إلى الاستسلام، مقابل وعود غير مؤكدة؛ إذ إن الحديث عن الدولة الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من القطاع جاء بصيغ مبهمة، في حين يُخطط لوضع القطاع وسكانه تحت وصاية دولية مفتوحة، من دون تحديد سقف زمني أو آليات واضحة. وتفتقر الخطة إلى ضمانات حقيقية لإعادة إعمار القطاع، على الرغم من أن الهيئة الدولية المعنية بذلك يُفترض أن يترأسها ترمب نفسه. وعلى المستوى العملي، تُكرّس بنية الخطة السيطرة الإسرائيلية على القطاع فترةً غير محددة، تحت غطاء دولي هشّ.في المقابل، تجد حماس والمقاومة الفلسطينية نفسها أمام تهديد في حال رفض الخطة، الذي قد يعني استمرار إسرائيل في حربها التدميرية ضد سكان القطاع، بضوء أخضر أميركي متجدد، مع استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مئات الآلاف من المدنيين الذين يواجهون الجوع والدمار.