في زمن كان فيه النفط والذهب والأراضي الخصبة تقاس بها الثروات، لم يخطر ببال أحد أن أكثر ما يسبقنا إلى النجاح سيكون انتباهنا نفسه. فبين فوضى المعلومات وتدفق المحتوى على مدار الساعة، تحولت “الانتباه” إلى عملة ثمينة ومحدودة. هذه هي فكرة اقتصاد الانتباه.

لم تعد المشكلة نقص المعلومات، بل غزارة المحتوى. الملايين من الأخبار والإعلانات والمنشورات تتساقط أمامنا كل ثانية. المنصات الرقمية صارت متخصصة في خطف دقائقك وثوانيك: كل نقرة وكل ثانية تقضيها أمام الشاشة تقرّب الشركات من أرباحها من الإعلانات والاشتراكات. خوارزميات فيسبوك وتيك-توك وإنستغرام تبقي فضولك مشتعلًا وتدفعك للبقاء أطول، بينما تقدم يوتيوب ونتفلكس توصيات تلقائية تقودك إلى رحلة مشاهدة بلا نهاية.

هذه القوة الاقتصادية الكبيرة تأتي مع جدل واسع. تحقق الشركات عوائد هائلة، لكنها تقود أيضًا تكلفة اجتماعية ونفسية ملحوظة: ازدياد الإدمان الرقمي، وتراجع القدرة على التركيز العميق، وانشار الأخبار المضللة. يرى بعض الخبراء في هذا التطور تطورًا طبيعياً في الإعلام، بينما يعتبره آخرون تسليعاً للانتباه البشري واستغلالاً لثغراتنا النفسية.

كيف نواجهه بحكمة؟ الفكرة الأساسية هي بناء وعي جديد يوازن بين حق الشركات في النمو وحق الأفراد في حماية أوقاتهم وعقولهم. بعض الحكومات بدأت بوضع تشريعات للحد من هيمنة الخوارزميات، بينما يدعو خبراء التربية الرقمية إلى تعليم المستخدمين كيفية إدارة حضورهم الإلكتروني بوعي ومسؤولية. من المهم تشجيع ثقافة استخدام أكثر عقلانية للشبكات: فترات محدودة، محتوى ذات جودة، وتركيز على القيمة بدل الكمية.

الخلاصة أن اقتصاد الانتباه أصبح جزءاً من حياتنا اليومية وقوة اقتصادية جديدة لا يمكن تجاهلها. لكنه يطرح سؤالاً محوريّاً: كيف نحافظ على أثمن ما نملك، وهو قدرتنا على التركيز، في عالم لا يتوقف عن المطالبة بانتباهنا؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تبدأ بتوعية مسؤولة وسياسات واقعية وتغيير عاداتنا الرقمية خطوة بخطوة.