أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: التعليم النشط وصناعة متعلّم منتج: من التلقّي إلى المشاركة


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: التعليم النشط وصناعة متعلّم منتج: من التلقّي إلى المشاركة

مدار الساعة ـ

سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد

المقال الرابع:

التعليم النشط وصناعة متعلّم منتج: من التلقّي إلى المشاركة.

كيف ننتقل بالطالب من الحفظ المجرّد إلى الإبداع؟ لم يعد الطالب في الصف الحديث مجرد خازن للمعلومة يتلقاها عبر التلقين، بل أصبح محور العملية التعليمية وشريكًا أصيلًا فيها. ورغم أن التلقين قد يبقى حاضرًا في مواقف محددة، فإن الاتجاهات التربوية المعاصرة تؤكد أن التعلم الفاعل لا يتحقق إلا حين يُشرك الطالب في بناء المعرفة، فيوازن بين المعرفة النظرية والممارسة العملية.

التعليم النشط ليس مجرد أنشطة صفية أو وسائل ترفيهية، بل هو فلسفة تربوية متكاملة تسعى لنقل الطالب من موقع المستهلك للمعلومة إلى موقع المنتج للمعرفة، ومن الحفظ إلى التفكير والإبداع. وقد أسس رواد الفكر التربوي مثل جون ديوي وديفيد كولب هذا التوجه من خلال نظريات التعلم التجريبي والقائم على الخبرة، التي جعلت "المشاركة الفاعلة" ركيزة للتعلم الحقيقي. وهذا يوضح أن التعليم النشط ليس اجتهادًا معاصرًا فحسب، بل هو توجه تربوي أصيل أكدته النظريات العالمية التي ربطت المعرفة بالتجربة الحياتية.

▪ماذا يعني التعليم النشط؟

التعليم النشط هو نهج تدريسي يضع الطالب في قلب العملية التعليمية، ويُشركه في التعلم عبر التجربة، الحوار، الممارسة العملية، والعمل الجماعي. يهدف إلى أن ينتقل الطالب من مجرد متلقٍ للمعلومة إلى مشارك فاعل، قادر على إنتاج الأفكار والحلول والمحتوى. وهو يرتكز على تنمية مهارات التفكير العليا: التحليل، التقويم، الإبداع، بعيدًا عن الاقتصار على الحفظ والتلقين.

▪مرتكزات أساسية للتعليم النشط:

▫الطالب فاعل لا متلقٍ: دور المعلم ميسّر وداعم، بينما الطالب مكتشف وصانع للمعرفة.

▫التفاعل الإيجابي والتعاون بين الطلبة.

▫ربط المعرفة بخبرات الحياة الواقعية.

▫توظيف المشروعات، الفصل المقلوب، والتعلم المدمج.

▫اعتماد التقويم البنائي المستمر لتوجيه عملية التعلم.

▪نماذج لاستراتيجيات عملية:

▫العصف الذهني: لتحفيز التفكير وتوليد الأفكار.

▫التعلم التعاوني: عبر مجموعات صغيرة تنجز مهام مشتركة (مثل تحليل نص قرآني أو حديث نبوي).

▫الخرائط الذهنية الرقمية: لتنظيم المفاهيم بصريًا باستخدام أدوات تقنية.

▫التعلم بالاكتشاف: يتيح للطلاب الوصول إلى المعلومة بأنفسهم عبر التجريب والملاحظة.

▫التعلم القائم على المشكلات (PBL): مواجهة مشكلات واقعية تتطلب البحث والتحليل.

▫التعلم بالمشروعات: تكليف الطلبة بمشروعات طويلة الأمد تدمج مهارات البحث والتفكير والعمل الجماعي.

▪استراتيجية KWL :

تقوم على ثلاثة محاور:

1. ما يعرفه الطالب.

2. ما يريد أن يعرفه.

3. ما تعلّمه لاحقًا.

وقد أثبتت الدراسات فعاليتها في تحسين التحصيل، وتنمية الفضول والتساؤلات، إضافة لكونها أداة تقويمية للمعلم.

▫ مثال تطبيقي: في موضوع "القيم الأسرية"، يكتب الطلاب ما يعرفونه عن برّ الوالدين، ثم يسجلون تساؤلاتهم، وفي النهاية يقارنون بين ما تعلموه وما عرفوه سابقًا.

▪أمثلة صفية من الواقع:

▫التعلم التعاوني: مجموعات تلخص نصوصًا في اللغة العربية وتشاركها مع الصف.

▫التعلم بالمشروعات: مشروع "ترشيد استهلاك المياه" في العقبة. وتؤكد هذه النماذج أن التعليم النشط لا يقتصر على الصف بل يمتد لبناء قيم المسؤولية والمواطنة الفاعلة في المجتمع.

▫الخرائط الذهنية الرقمية: حول "أسباب الهجرة" في مادبا.

▫الفصل المقلوب: نقاش تطبيقي لآيات قرآنية في عمان.

▫التعلم باللعب (Gamification): مسابقة رياضيات عبر منصة Kahoot في الكرك.

▪مميزات التعليم النشط على البعد القيمي والتربوي

لا يقف التعليم النشط عند حدود المعرفة الأكاديمية، بل يمتاز بأثره العميق على تشكيل شخصية المتعلم وصقل قيمه وسلوكه. ومن أبرز مميزاته التربوية والقيمية:

1. تنمية المسؤولية الفردية والجماعية: حيث يُدرَّب الطالب على تحمل نتائج عمله، والعمل بروح الفريق لإنجاز المهام المشتركة.

2. تعزيز الحوار وقبول الآخر: إذ ينخرط الطلبة في نقاشات وتبادل للأفكار، مما يغرس قيم التسامح والاحترام المتبادل.

3. ربط المعرفة بالحياة اليومية: فلا تبقى القيم مجرد مفاهيم نظرية، بل تتحول إلى ممارسات وسلوكيات في الواقع.

4. إكساب مهارات الانضباط الذاتي: من خلال التعلم بالاكتشاف والتجريب، مما ينمّي الصبر والمثابرة.

5. غرس القيم الأخلاقية في البيئة الرقمية: عبر توجيه الطلاب ليكونوا منتجين لمحتوى قيمي ومسؤول على المنصات الرقمية.

وبذلك يصبح التعليم النشط وسيلة مزدوجة: يحقق التحصيل الأكاديمي من جهة، ويبني الشخصية القيمية المتوازنة من جهة أخرى.

▪البعد البحثي والعلمي:

تشير تقارير اليونسكو 2023 إلى أن استراتيجيات التعليم النشط ترفع معدل الاحتفاظ بالمعلومة إلى أكثر من 70% مقارنة بالتلقين التقليدي الذي لا يتجاوز 20%. ويبرهن هذا أن التعليم النشط أكثر فاعلية من التلقين التقليدي، إذ يُرسّخ المعرفة في ذهن المتعلم ويحوّلها إلى خبرة عملية قابلة للتوظيف.

▪البعد الرقمي والتحولات الحديثة

أصبح من الضروري أن يكون التعليم النشط متكئًا على التكنولوجيا:

▫الواقع الافتراضي لتجارب العلوم.

▫الذكاء الاصطناعي لتوليد الخرائط الذهنية أو محاكاة المواقف.

▫المنصات التفاعلية التي تحوّل الطالب إلى مشارك منتج للمحتوى الرقمي.

▪دور الطالب كمنتج رقمي للقيم والمعرفة

في زمن الثورة الرقمية، لم يعد الطالب متلقياً فقط، بل بات قادرًا على أن يكون منتجًا رقميًا يصنع محتوىً معرفيًا وقيميًا مؤثرًا.

▫يمكنه إعداد مقاطع توعوية قصيرة.

▫تصميم عروض وخرائط ذهنية رقمية.

▫إنتاج محتوى قيمي على منصات التواصل، ينشر من خلاله ثقافة الحوار والوعي.

وهذا يعكس التحول من متلقٍ سلبي للمعلومة إلى منتج رقمي قادر على صناعة محتوى قيمي يواكب متطلبات العصر.

وهنا تتجلّى مسؤولية المدرسة في تأطير هذا الإنتاج الرقمي وتوجيهه ليجمع بين الأصالة والقيم من جهة، والإبداع والتجديد من جهة أخرى.

▪البعد الإسلامي والقيمي

ينسجم التعليم النشط مع قيم الإسلام التي تحث على التدبر والتفكر:

كما أن النبي ﷺ علّم أصحابه بالحوار، والسؤال، والموقف العملي، لا بمجرد التلقين. وهذا ينسجم مع النهج الإسلامي في التربية الذي قدّم الحوار والتفكر والعمل المشترك على مجرد التلقين.

▪إشراك الأسرة والمجتمع:

▫إشراك أولياء الأمور في مشروعات مدرسية.

▫تعاون مع مؤسسات محلية لحل مشكلات بيئية أو صحية.

▪التقويم كأداة للتعليم النشط:

▫الملاحظات الصفية.

▫ملفات الإنجاز (Portfolio).

▫الروبركس (Rubrics) لقياس التفكير والإبداع.

▫إنتاجات الطلاب (مشروعات، منتجات رقمية).

▫التقويم بالأقران وتبادل التغذية الراجعة.

▪دور المعلم:

▫مصمم للأنشطة.

▫ميسّر للحوار.

▫قائد تربوي.

▫مقوِّم يقيس أثر التعلم.

▫مزود بالتغذية الراجعة الفورية.

▪إن التعليم النشط ليس شعارًا عابرًا، بل رؤية متكاملة تُعدّ الطالب لمستقبل مليء بالتغيرات. هو نهج ينقل المتعلم:

▫من الحفظ إلى الإبداع.

▫من التبعية إلى الاستقلال.

▫من الصف إلى المجتمع.

▫ومن الاستهلاك الرقمي إلى الإنتاج القيمي والمعرفي.

?وحين نزرع في طلابنا مهارة التعلم مدى الحياة، فإننا نبني جيلًا قادرًا على التكيف مع ثورة المعرفة والذكاء الاصطناعي، متمسكًا بقيمه، وفاعلًا في مجتمعه، وصانعًا لمستقبله.

إنه جيل مؤمن بأصالته، مبتكر بأدواته، وصانع للغد.

مدار الساعة ـ