أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

العايش تكتب: بين أمانة العلم وكرامة الطالب.. التربية بالحوار لا بالعنف


رندا سليمان العايش
مستشارة تربوية

العايش تكتب: بين أمانة العلم وكرامة الطالب.. التربية بالحوار لا بالعنف

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
مستشارة تربوية
مدار الساعة ـ

في رحاب المدرسة، حيث تُبنى العقول وتنمو النفوس، يقف المعلم حاملًا رسالة علمية وتربوية سامية، لا يقتصر دوره على نقل المعرفة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليزرع في نفوس طلابه قيم الاحترام والفضيلة وحب التعلم. فالتربية رسالة نبيلة، والعنف بجميع أشكاله، سواء كان لفظيًا أو جسديًا، يشوّه هذه الرسالة ويترك أثرًا عميقًا في شخصية الطالب وسلوكه، بعيدًا عن أهداف التعليم الحقيقية.

إن مسؤوليتنا كمعلمين تتخطى تصحيح الأخطاء أو ضبط السلوك، فهي دعوة لنكون قدوة صالحة، نبني شخصيات واعية ومستعدة لمواجهة تحديات الحياة، بطرق علمية تربوية قائمة على الحوار، والصبر، والتوجيه الراشد. فالمدرسة بيت ثانٍ للطالب، وواجبنا أن نجعلها بيئة آمنة، تحفّز على التعلم، وتغرس الحب والاحترام قبل أي شيء آخر.

العنف المدرسي – بجميع أشكاله، سواء كان لفظيًا أو جسديًا – ليس وسيلة للتقويم، بل هو جرحٌ غائر يترك أثرًا في النفس والسلوك قد يرافق الطالب سنوات طويلة. الضرب لا يبني شخصية، ولا يعدّل سلوكًا، بل قد يزيد السلوك سوءًا ويولّد نفورًا من المدرسة والمعلم معًا.

التربية الحقيقية تقوم على أسس علمية وإنسانية: الحوار، التوجيه، الاحترام، والاحتواء. فالطالب الذي يُعامل بكرامة يستمع، والذي يُشعر بالحب ينضبط، والذي يجد قدوةً في معلمه يسعى لأن يكون أفضل.

إن مسؤوليتنا التربوية تُحتّم علينا أن نكون دعاة رحمة لا قسوة، أن نغرس في نفوس طلابنا حب العلم لا الخوف منه، وأن نرتقي بأدواتنا التربوية لتواكب روح العصر. نحن نحتاج أن نُعيد للغرفة الصفية معناها: بيئة آمنة، صحية، ومليئة بالتحفيز والإبداع، لا ساحة للعقاب أو التوبيخ.

فلنقف جميعًا، كتربويين، أمام هذه القضية بوعي وإيمان برسالتنا؛ لأننا لسنا هنا لنُعاقب أو نُسيطر، بل لنزرع الأمل، ونصنع المستقبل، ونُعيد للمعلم مكانته السامية في قلوب طلابه.

إن المدرسة ليست جدرانًا وصفوفًا فحسب، بل هي بيتٌ ثانٍ لأبنائنا، فيها يُصاغ الوعي وتُبنى الشخصية وتُغرس القيم. والمعلم ليس موظفًا يؤدي واجبًا يوميًا، بل هو حامل رسالة تربوية سامية، أُنيطت به أمانة بناء الإنسان. ومن هنا، فإن كل شكل من أشكال التعنيف – لفظيًا كان أم جسديًا – هو خروج عن هذه الرسالة، وتشويه لجوهر التربية التي تقوم على الرحمة والحكمة والصبر.

إن تعديل السلوك لا يحتاج إلى عصا، بل إلى عقل وقلب. إلى صبر في التوجيه، وذكاء في التعامل، وإيمان بأن كل طالب – مهما بدا صعبًا – يحمل داخله بذرة خير تحتاج إلى رعاية حتى تنمو وتزهر.

دورنا كتربويين لا ينفصل عن دور أولياء الأمور ولا عن دور المجتمع بأسره؛ فالتربية مسؤولية مشتركة، والنجاح في صناعة جيلٍ متعلّم واعٍ يتطلّب تكاتف الجميع. لا يمكن أن نُحمّل المعلّم وحده عبء تعديل السلوك، بل يجب أن يكون هناك تعاون صادق بين الأسرة والمدرسة، مبني على الحوار والاحترام المتبادل.

فلنجعل رسالتنا التربوية مشعلًا من نور، نضيء به دروب طلابنا، ونُرشدهم إلى طريق العلم والمعرفة، بعيدًا عن الخوف والقسوة. فالعنف يُنبت جراحًا، بينما التربية السليمة تُنبت رجالًا ونساءً قادرين على بناء أوطانهم.

ولْيكن شعارنا الدائم: "نربي بالعلم، ونقوّم بالحب، ونبني بالمثال الصالح."

مدار الساعة ـ