أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب وظائف للأردنيين مجتمع مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين ثقافة اخبار خفيفة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

عبيدات يكتب: صمغ العالم إذ يتحلل


عمر عبيدات
صحفي أردني أمريكي

عبيدات يكتب: صمغ العالم إذ يتحلل

عمر عبيدات
عمر عبيدات
صحفي أردني أمريكي
مدار الساعة ـ

رغم معرفتنا المسبقة بنهج وتوجهات وأساليب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتوقعاتنا بتداعيات سياسية واجتماعية كبيرة على الولايات المتحدة لانتخابه رئيسا لها لولاية جديدة من أربع سنوات إلا أننا نقف اليوم مذهولين أمام تسارع الانحدار نحو الهاوية الذي تتجه إليه عربة البلاد التي يقودها ترامب بتهور عز نظيره، وبينما يسعد الكثير من خصوم الولايات المتحدة بمثل هذه الأنباء ويتفرجون شامتين على معالم انهيار الدولة الأولى في العالم يفوتهم أن أي زلزال يصيب الولايات المتحدة ستكون له توابع وارتدادات عالمية لن ينجو منها أحد.

ترامب الذي لم تمض سوى ثمانية أشهر فقط على جلوسه للمرة الثانية في البيت الأبيض يعود هذه المرة لا بعقلية المنتصر فقط بل المنتقم من خصومه وما أكثرهم! ولو اقتصرت الخصومة على السياسيين من قادة الحزب الديمقراطي أو بعض الجمهوريين ممن لا يتفقون مع نهجه لهان الأمر ولكن قائمة خصومه طويلة عريضة تضم أطياف المجتمع الأمريكي بأسره من نخب الاقتصاد إلى نجوم الفن مرورا بوسائل الإعلام والجامعات! ترمب الذي حصن نفسه في ولايته هذه باختيار وزراء ومسؤولين مؤهلهم الوحيد لمناصبهم ولاؤهم المطلق له بات يستخدم الحكومة وأذرعها السياسية والقانونية والأمنية وحتى العسكرية أدوات في حرب شعواء يريد لها أن تحطم هؤلاء الخصوم وتسحق أي محاولات مستقبلية للوقوف بوجه تياره السياسي الذي يتزايد مؤيدوه في عرض البلاد وطولها، ولعل الضحية الأبرز في حربه هذه الأسس التي أوصلت الولايات المتحدة لموقع الدولة الأولى في العالم اقتصاديا وعسكريا وبالتالي سياسيا فبات نفوذها يعم الكرة الأرضية بأسرها ومن هنا تبدأ الحكاية.

بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي والصين على دول المحور ألمانيا وإيطاليا واليابان تصدرت الولايات المتحدة المشهد كامبراطورية جديدة يمتد نفوذها من غرينلاند شمالا إلى جنوب إفريقيا جنوبا ومن أستراليا شرقا إلى جبل طارق والمغرب غربا وبينما شكلت مع الاتحاد السوفييتي المنفرط قطبي رحى أصبحت بعد انهياره عام ١٩٨٩ سيدة العالم بلا منازع ليمتد نفوذها داخل جمهوريات الاتحاد السابق ويتعزز في ساحاتها التقليدية فبات العالم بأسره يسير على خطى سيد البيت الأبيض يقر ما يقر ويستنكر ما يستنكر.
هذا الحال كرس واقعا وأرسى ثوابت ووضع معايير في مختلف دول العالم التي ظلت تضع سياساتها الخارجية والكثير من الداخلية بناء عليه وبات ثقل الولايات المتحدة السياسي والعسكري يرجح على منظمة الأمم المتحدة التي كان حفظ الأمن والسلم الدوليين في صميم أهداف إنشائها فصارت واشنطن وحدها صاحبة قرار الحرب والسلم الدوليين تقصف من تشاء بلا عقاب وتصلح من تشاء بلا حساب كفعلها في العراق وأفغانستان مثالا على الأولى والبوسنة والسودان مثالا على الأخيرة ومن هنا اكتسبت الولايات المتحدة بجدارة لقب صمغ العالم فهي التي تجمع الأضداد بيدها القوية وتمنع المتخاصمين من الفلتان وتصفية الحسابات فعصاها الغليظة حالت حتى الآن دون ضم الصين لتايوان واعتداء كوريا الشمالية على الجنوبية واحتلال روسيا لأوكرانيا وقضاء صرب البوسنة على مسلميها وكرواتها واحتراب تركيا واليونان وهي التي أجبرت العراق على الانسحاب من الكويت وردت لهذا البلد سيادته وحافظت على هويته وشجعت على المصالحة الخليجية ومنعت تنظيم داعش من احتلال العراق وسوريا والتمدد خارجهما ووقفت إلى جانب لبنان ضد استباحة إيران الكاملة له عبر عميلها حزب الله وأوقفت استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر وغير ذلك كثير من أمثلة ووقائع لا يتسع هذا المقال لسردها ومن هنا نقول إن هز ترامب لهذه الأسس وغياب وعيه لهذا الدور ونزوعه نحو الانكفاء على الداخل وتجاهل الخارج ينذر بفوضى عالمية يأكل القوي فيها الضعيف ويصفي كل ذي حساب حسابه ويجرب فيها كل طامح حظه لتعود عقارب الساعة عقودا إلى الخلف قبل أن تنجر الولايات المتحدة ذاتها إلى حرب عالمية ثالثة يمكن لشرارتها أن تندلع من أي بقعة توتر وبين أي طرفي صراع حرب ليست كأي حرب تسفر عن ملايين القتلى والجرحى والمعوقين والمفقودين وصعود دول وهبوط أخرى ونظام عالمي جديد لا نعرف شكله ولا مضمونه ومستقبل مفتوح على كل احتمال وما هذا بعرض يدافع بأي حال عن الولايات المتحدة ولا سياساتها في أي بقعة في العالم ولكنه محاولة لفتح الأعين ولفت الانتباه إلى أن من يرى الولايات المتحدة اليوم شرا مطلقا قد يأسف غدا لأفول نجمها وتصدع جسدها وتبدد شملها فمن كان يرغب في نظام عالمي جديد فليصنع لنفسه هذا النظام قبل أن يجدها أسيرة نظام أكثر سوءا من نظام اليوم وعالم أشد ظلما وتوحشا وما هذا إلا جرس إنذار وطلب لوقت مستقطع ودعوة للتأمل في البدائل شكلا ومضمونا وأساليب وأدوات.

عمر عبيدات

مدار الساعة ـ