لم يعد خافياً على أحد أنّ إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين تمارس سياسة ممنهجة تقوم على انتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، حيث لم يسلم البشر ولا الحجر من آلة القتل والتدمير، لا في قطاع غزة ولا في الضفة الغربية، وما بعد السابع من أكتوبر تكشّفت بصورة أوضح طبيعة هذا الاحتلال القائم على عسكرة السياسة، وتحويل القوة العسكرية إلى أداة لإدارة الصراع بدلاً من الحلول السلمية. إنّ ما جرى بعد هذا التاريخ، من مجازر ودمار واسع النطاق، لم يترك أمام المجتمع الدولي إلا واجب التدخل العاجل لوقف الحرب، رغم برودة هذا التدخل ولكن تحاول ان تكون الولايات المتحدة الضامن المفترض، إذ طلب الرئيس الأمريكي من دولة قطر الاستمرار في وساطتها بمشاركة جمهورية مصر العربية، غير أنّ ما أقدمت عليه حكومة نتنياهو من عدوان على السيادة القطرية، بمحاولة اغتيال قادة من حركة حماس والوفد المفاوض في الدوحة، شكّل صفعة صارخة لمصداقية العملية التفاوضية ومصداقية الحلفاء.
هذا السلوك لا يكشف فقط زيف رواية نتنياهو عن رغبته في وقف الحرب، بل يفضح الطبيعة التوسعية والعدوانية للمشروع الإسرائيلي، الذي لا يتورع عن انتهاك سيادة دول معترف بها وذات مكانة استراتيجية ومحورية وموثوقة في الاقليم مثل قطر. ومن المستحيل تصور أن هذه العملية تمت من دون علم أو موافقة ضمنية من الولايات المتحدة، خاصة وأن واشنطن نفسها صنّفت قطر كحليف استراتيجي وشريك في تحقيق الاستقرار! . هذا التناقض الصارخ في الموقف الأمريكي يثير التساؤل حول جدية التزامها بالقانون الدولي، ويؤكد في الوقت نفسه أنّ ما جرى رسالة واضحة لكل دول المنطقة بأن إسرائيل في حالة تمدد متواصل وعربدة ، وأنها لن تتوقف عند حدود فلسطين.فالسوابق شاهدة، من تونس إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن، واخيراً قطر، وممكن ان تكون ليس اخراً لتقول إنّ الغطرسة الإسرائيلية تسعى إلى فرض واقع جديد يتجاوز كل الخطوط الحمراء.وفي ظل التشرذم العربي وغياب موقف موحّد، فإن أي عاصمة عربية قد تكون هدفاً تالياً. من هنا يصبح واجباً على صانعي القرار العرب إدراك خطورة المرحلة، والتحرك لوقف مسلسل الانتهاكات قبل أن تتحول كل دولة إلى الثور الأبيض الذي أُكل بعد أن صمت الجميع على أكل الثور الأكبر.في الأفق الأوسع، يظهر بأن دول المنطقة ممكن ان تعيد النظر في التحالفات الاستراتيجية. فالتغيرات الجيوسياسية المتسارعة تتيح فرصاً لصعود قوى جديدة مثل الصين، يمكن أن تلعب أدواراً أكبر على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية. إنّ إعادة صياغة التوازنات الإقليمية والدولية باتت ضرورة، خاصة بعد أن عاين العالم في السنوات الأخيرة استخفافاً غير مسبوق بالقانون الدولي، سواء عبر الاعتداء على سيادة الدول أو انتهاك حقوق الأفراد والشعوب. وعليه، فإن المرحلة المقبلة تتطلب وعياً عربياً جماعياً ومسؤولية مضاعفة في حماية السلم الإقليمي والدولي، وإعادة الاعتبار للشرعية الدولية كأساس لأي تسوية عادلة ودائمة.
أبو دلو يكتب: الأمن الإقليمي بين الغطرسة الإسرائيلية وإعادة تشكيل التحالفات
المحامي الدكتور معاذ وليد ابو دلو
أبو دلو يكتب: الأمن الإقليمي بين الغطرسة الإسرائيلية وإعادة تشكيل التحالفات
مدار الساعة ـ