ذات مساء حاولت الهروب من الروتين اليومي المثقل بأخبار غزة، مستغلا مناسبة عزيزة صادف ميلاد ابنتي ليان, ورغم عدم قناعتي بالاحتفال بأعياد الميلاد وخاصة خارج المنزل إلا أنني وجدت نفسي وعائلتي متجهين الى أحد محال الحلويات للاحتفال ونحن نسمع ونرى على هواتفنا اخبار غزة وأطفالها الذين يموتون قصفا وجوعا..
في طريقنا سألت عن ابني الأكبر عزالدين فكان الجواب أنه فضل البقاء في البيت وقلت في نفسي خير ما عملت ياعز.. ولم أبدها لليان التي كان اسعادها هدفي وامها.. وكان هدف إخوتها تناول الكيك و"الايسكريم".جلسنا بين طاولات غصّت بالأطفال والشباب والعائلات وفجأة، شقّ قالب كيك يعلوه شيء من نار طريقه باتجاه الطاولات المكتظة لسبب لم نكن نعرفه، وسرعان ما تعالت معه أصوات الغناء: هابي بيرث ديه عزالدين. التفتُّ أبحث عن عزالدين المعني بعيد الميلاد.. وانطلقت الأعين تبحث عن المحتفى به.. لم يكن طفلا كباقي الاطفال، كرسيه المتحرك اثار فينا تساؤلاتنا إلى ان اجابت ساقيه المحاصرة باسياخ الحديد وشرر كيكة الميلاد على بعضها.. لتحكي لنا اخر فصول المعاناة لطفل أصبح "قصة صغيرة" من آلاف الحكايا الكبيرة.. إنه طفل غزي من بين مئات الأطفال الغزيين الذين يتلقون العلاج في المملكة. تجمّع الحضور حول عزالدين وحال الازدحام حوله ووالديه دون اقترابنا منه ومشاركته فرحته وفرحتنا، لكننا حضرنا وشاركنا الحضور بالدعاء له بالشفاء العاجل وبوقف العدوان على غزة..خرجت للحظات من الصالة دون ان اترك مقعدي وعدت الى عائلتي ولم أكن بعيدا عنها.. صفعني الموقف وافقت وأدركت أننا مهما ابتعدنا عن غزة، فإنها ستبقى تلاحقنا بجرحها وأبطالها الصغار الكبار.نعم غاب ابني عزالدين عن الاحتفال، لكنه حضر في صورة عزالدين آخر جريح.. لابد وانه سيقف يومًا على قدميه، ويروي لأحفاده قصة دمه الذي سال وجرحه الذي التأم في عمان، واحتفاء محبي غزة به في صالة حلويات ضاقت جنباتها بفيض شماعر المحتفلين والمحتفى به.انها غزة التي كلما حاولنا الابتعاد عنها اقتربنا منها أكثر.. وكأنها اصبحت مغناطيس الأرض.
مجاهد يكتب: عندما حاولت الهروب من غزة
مدار الساعة ـ