الملك المؤسس امتلك فلسفة عميقة في نظرته للتاريخ الإسلامي وأدواره، إذ يرى في نص له يتحدث به عن العراق والأردن بأن "الذي وقع في أوائل التارخي الإسلامي من تشبث عرفه الناس لتبديل وضع جاءت به الرسالة، وسار عليه الخليفتان ومشى عليه عثمان رضي الله عنه من الست السنين الأولى من عهده، كل ذلك يرى الناظر ما هو العراق ومن هم أهله".
ويؤكد النص على مركزية دور العراق خلال هذه الأحداث فهو يحوي الرافدين، ويعتصم في البعد عن متناول اليد في كل ناحية من نواحيه، لهذا نجد العراق يقول الحق ولا يبالي من قال عنه كيت كيت.ويحاول النص فهم جغرافيا أحداث التاريخ الإسلامي، ومسرحها الجغرافي ما بين الأردن والعراق، "وكذلك حال الأردن فالدعوة الهاشمية كانت به في طفليته البلدة المعروفة منه، وفي أردنه الأكبر، حيث كان الإمام محمد بن الحنفية، وعلي بن عبد الله بن عباس، فكانت تصدر عن الأردن الإشارات والإرشادات إلى أبي مسلم الخراساني حتى استقر الأمر، وكانت الأعصر العربية الزاهرة". ويستحضر الملك المؤسس في شرحه للدعوة العباسية، قول الشاعر:"إذ قيل خيل الله يومًا ألا اركبي وددت بكف الأردني انسيابها"إذ يقول طيب الله ثراه، إنه "لا ظلام للمبصر، ولا عشوة للمتمكن، ولا تردد لمن رزق البصيرة، ولا خوف على من يعرف الحق ويصرح به، هذا لذلك لا عجب إن قلت إن العراق وأهله".ويضيف بالقول في وصف أهله أنه هناك "من تسمى منهم بسني أو انتسب شيعيًا، ثقة آل البيت، والقلب النابض من أجلهم، والبلاد التي عرفت بهم، وعرفوا بها، جيل ثراها بدمائهم.."، عادا سجاياهم التاريخية بأنهم لطالما "جادلوا فيها أهل الزيغ.. فالكوفة بعلمها وفقهائها ونحوها وصرفها وأعلامها، والبصرة بأدبائها ونحاتها، خدام العلم وأمناء العربية والإسلام، وبالجملة فالعراق في الصدر الأول، وإن حصلت فيه بعض الرجات وتردد حينًا لكنه نفض عنه كل تلك الشوائب، وتمخض فصار موئلًا للحق ومركزًا للصراحة ووطنًا للإباء، وهاديًا إلى طريق الصواب.كما أن آل البيت من نسل الحسن والحسين، فلم يدع أحدهم إلى دنيا يريدها، ولا إلى ملك يعضضه، ولكنهم كانوا كلما شاهدوا تامة في حائط البناء الإسلامي دعو إلى رتق الفتق، وتشييد البناء وكان في كل وثبة من هذه الوثبات، تنبيه لعباد الدينا، والراغبين في الملك، والمعروفين بالترف وما يجره الترف، كفانوا بدمائهم حفاظًا للحق، خدامًا له، وفق النص.وأهمية هذه الرؤية في أنها تشرح ما تأسس عليه الحكم الهاشمي في العراق والأردن في حملهما مشعل الوحدة والتقوى، واستهداف الحق، رجاء انضواء كل متحير تحت لوائهما، والتظلل بظل الوحدة والعروبة المحضة، لا يضرهما تكالب أرباب المنافع الذاتية أو الدعاية المغرية، والأغراض التي لا تميل إلى شيء من التقدم والسلامة ما يثبت أن الذين يريدون حبس العرق ومنع تقدمهم ليسوا في العراق، لا في الأردن.هذا النص، يحمل مقاربة تشرح المشروع الهاشمي في بواكيره، وسعيه إلى وحدة متصلة جغرافياً وفكرياً، في ضوء فهم الشخصية التاريخية العربية وتفاعلها مع متغيرات أفضت إلى تأسيس عهود عربية كالعصر العباسي، وفي تاريخنا الحديث ما وفرته الثورة العربية في فرصة مماثلة، بالإضافة إلى الإشارة لدور العراق والأردن بعدها.ولربما يشرح هذا النص أيضًا، وجهًا من وجوه الحاضر والفهم الأردن للعراق ليش كشقيق وجار وحسب، بل مقدرة البلدان على النهوض بواقع المشرق العربي، نظراً لجوامع التاريخ والجغرافيا.