بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت الدوحة، وما تبعها من خطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مجلس الأمن، بدا واضحاً أن المنطقة مقبلة على تحولات سياسية وإستراتيجية مهمة.
الصفدي قدّم موقفاً أردنياً تاريخياً، وصف فيه إسرائيل بالدولة المارقة واتهمها بارتكاب حرب إبادة وتجويع في غزة، مؤكداً أن أمن الأردن من أمن قطر، وأن الاعتداء لم يكن موجهاً ضد قطر وحدها بل ضد منظومة الأمن الإقليمي بأكملها. هذا الموقف ترافق مع تحرك قطري واسع، دبلوماسياً وقانونياً، لكشف حجم التورط الأميركي والغربي في الضربة، ما جعل القضية اختباراً لمعادلات النفوذ والتحالفات في المنطقة.في موازاة ذلك، ارتفعت حدة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي ضد الأردن، مع تلويح باستغلال ملفات القدس والضفة والانقسام الداخلي، ما يعكس إدراك تل أبيب أن الموقف الأردني القطري يشكل تحدياً مباشراً لها. غير أن الحراك الدبلوماسي المتسارع، عبر اتصال ثلاثي جمع وزراء خارجية تركيا وقطر والأردن تحضيراً للقمة الإسلامية العربية الطارئة في الدوحة، أعاد ترتيب الأوراق. زيارة أمير قطر لعمان واحتمال عقد لقاء أردني مصري قريب، كلها مؤشرات على ترتيبات أوسع قد تُفضي إلى تحالف إقليمي جديد، يشمل قطر والأردن وتركيا وربما مصر كبيضة القبان في أي صيغة مستقبلية.هنا يبرز الدور التركي كعامل محوري. فتركيا تنظر إلى استقرار سوريا باعتباره عمقها الإستراتيجي، وأي تفتيت أو تمزيق لسوريا يشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي. الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على عدة مناطق سورية، وخاصة في الجنوب، لا تمسّ فقط السيادة السورية بل تضرب أيضاً مصالح تركيا الحيوية. ومن هذا المنطلق، يتقاطع الدور التركي مع مصالح الأردن ودول الطوق الأخرى، حيث يشكل استقرار سوريا شرطاً أساسياً لحماية الحدود، منع تهريب السلاح والمخدرات، وضمان التوازن الإقليمي. إن مصلحة دول الطوق، وفي مقدمتها الأردن، واضحة في دعم أي مسار يفضي إلى تثبيت استقرار سوريا باعتباره خط الدفاع الأول عن أمنها.السيناريو الأكثر ترجيحاً في ضوء هذه التطورات يتمثل في تشكل جبهة دبلوماسية وقانونية تضغط على إسرائيل عبر القمم والمحافل الدولية، مع فتح مسار قضائي لمحاسبة المعتدين. هذا التحرك الإيجابي والقوي يمكن أن يُحدث فرقاً ملموساً في موازين القوى، ويعطي زخماً جديداً للدور الأردني الذي طالما كان سنداً لفلسطين وقضيتها العادلة، ووقف إلى جانب أشقائه العرب، وخاصة قطر، في أصعب المراحل. ومع انخراط تركيا في هذه المعادلة، يكتسب التحرك بعداً إستراتيجياً إضافياً، يعيد الاعتبار للعمق السوري كعامل استقرار مشترك.وبالرغم من أن استمرار التوتر قد يعرقل الوساطات ويجمد مسار المفاوضات، إلا أن الاصطفاف العربي والإقليمي المتماسك هذه المرة يمنح فرصة لإعادة صياغة معادلة ردع جديدة. الأردن بموقفه الجريء، قطر بتحركها الدبلوماسي والقانوني، وتركيا بعمقها الإستراتيجي في سوريا، ومع دور مصري متوازن، كلها عناصر تفتح نافذة أمل لإعادة التوازن للمشهد الإقليمي، وترسيخ أن السيادة العربية والأمن الإقليمي خط أحمر لا يمكن تجاوزه.