يمثل العدوان الإسرائيلي الأخير على دولة قطر الشقيقة حدثاً فارقاً و تحولا دراماتيكيا في مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي متوقعا ليس غريبا على من يخبر غاية نشأة الكيان. فهو لم يكن مجرد اعتداء عابر، بل ناقوس خطر ورسالة إنذار إلى الأمة العربية كلها، شعوباً وحكومات، بأن المشروع الصهيوني لا يقف عند حدود جغرافية أو سياسية، بل يستهدف الكل العربي ضمن مخطط إحلالي توسعي تدعمه واشنطن بغطاء مطلق.
هذا الكيان الذي لا يرقى إلى مستوى الدولة، بقدر ما يشبه ثكنة عسكرية مدججة بأحدث الأسلحة والتكنولوجيا، أسير لعقلية يمينية دينية متطرفة ترى في القوة الغاشمة وسيلة لفرض الأمر الواقع، وفي سفك الدماء واستباحة الحرمات مشروعية سياسية ودينية يباركها تحالف ديني ـ سياسي متشدد. قدم صك مفتوح يغذي شعور بالفوقية، وإحساس الحق المطلق الممنوح كامل الصلاحية في فرض التسويات و الاتفاقيات بما يخدم أمنه ومصالحه فقط ، على حساب الآخرين .إن استهداف قطر تحديداً ليس أمراً عادياً؛ فهي دولة تقع في الخليج العربي البعيد نسبياً عن خطوط التماس التقليدية المباشرة مع العدو، و لطالما مثلت واحة استقرار استراتيجي واقتصادي في المنطقة لذلك، فإن هذا العدوان يعكس انتقالاً خطيراً في سياسة التوسع والاعتداء، ويدفع إلى إعادة النظر في منظومة التحالفات العربية، بعيداً عن الارتهان الأحادي للولايات المتحدة، وباتجاه بناء شراكات أكثر تنوعاً تقوم على المصالح المتبادلة و التوازنات الجديدة و تنويع مصادر التسلح و الاعتماد في الحماية و الدفاع عن نفسها بذاتها .كما أن هذا الحدث يذكّر العرب بأن أي دولة، مهما ابتعدت جغرافياً عن فلسطين، ليست في مأمن من الاستهداف. فالمخطط الصهيوني يقوم على تصدير أزماته الداخلية وخلق بؤر توتر جديدة في المنطقة، بهدف إشغال العرب بأنفسهم وتفتيت مجتمعاتهم، مع السعي المستمر لتهجير الفلسطينيين ونقل ساحة الصراع إلى العمق العربي.وهنا تتجدد الحاجة إلى موقف عربي موحد، يعيد الاعتبار لمركزية القضية الفلسطينية، باعتبارها حجر الزاوية في أمن المنطقة واستقرارها. فلا مجال بعد اليوم للنأي بالنفس أو الانكفاء عن الاشتباك السياسي والفكري المباشر مع قضايا الأمة ، أولها القضية الفلسطينية ، وأي مفاوضات أو تسويات قادمة لن تكون ذات جدوى ما لم تقم على أساس الندية لا التبعية، وعلى قناعة راسخة بأن العرب أصحاب الأرض والحق، لا مجرد أطراف ثانوية في معادلات الآخرين.العدوان على قطر، على قسوته، لكنه رب ضارة نافعة ، إذ يمكن أن يتحول إلى لحظة وعي جديدة للأمة، تدفعها إلى مراجعة خياراتها السياسية، و استنهاض مشروع عربي نهضوي وحدوي ، لا بديل عنه في مواجهة مشاريع الآخرين في المنطقة بالإضافة للصهيوني ـ الأميركي أو التركي أو الإيراني ـ التي لا تلبي طموحات الشعوب العربية ولا تنسجم مع طبيعتها الثقافية والسياسية و لا يمكن إسقاط أو فرض مقاساتها لتناسب المشروع العربي و دوله.مشروع عربي قطري بحده الأدنى ، تتجدد الحاجة له ، لصناعة موقف صلب يعيد لدول منطقة الشرق الأوسط العربية أهميتها الجيوسياسية في حق تقرير مصيرها ، استقلال قرارها ، دون تركه لخارج منحاز ، مزدوج المعايير يخدم مصالحه ، لاخضاعها و تجاهل دورها القادر على قلب موازين المخططات في أي لحظة متى تم استحضار الإرادة و الاتفاق على ذلك ، موقف مثابة رسالة مفادها أن العلاقات تقام على احترام السيادة المتبادل ، و أساسها التعاون المشترك و المصالح .و قد يكون هذا الاعتداء بمثابة جرس إيقاظ يعيد للأمة ثقتها بنفسها،من شرقها إلى غربها ، شمالها إلى جنوبها ، يذكرها بأن قوتها تكمن في وحدتها وإرادتها المشتركة لإقامة مشاريعها السياسية و العسكرية و الاقتصادية النهضوية التنموية في الحاضر منها و المستقبلية. فالعرب حين توحدوا عبر التاريخ لا تفرقهم طائفية أو عرقية أو مذهبية ، صنعوا حضارة إنسانية ساد فيها العدل وانتشرت فيها العلوم، وكانت ركناً أساسياً في تقدم عموم البشرية و الإنسانية جمعاء.
العزة يكتب: ضربة قطر.. ناقوس خطر
مدار الساعة ـ