منذ فجر التاريخ، والأرض الأردنية تعرف كيف تُنجب رجالها ساعة التحدي. على حجارة دِيبون وقف ميشع، ملك مؤاب، يحفر بيده على الصخر شهادة النصر: استعدنا الأرض وطردنا الغزاة. لم يكن يكتب للتاريخ بل يعلن وصية: أن هذه الأرض لا تُستباح ما دام فيها شعبٌ يعرف معنى الكرامة.
ثم جاء يوم مؤتة، يوم وقفت ثلاثة آلاف روحٍ في وجه مئتي ألف. ارتقى زيد وجعفر وعبدالله، ولم تسقط الراية؛ حملها خالد حتى عاد الجيش مرفوع الرأس. لم تكن مؤتة هزيمةً كما أرادها خصومنا، بل كانت ميلاد أسطورة تقول: على هذه الأرض رجالٌ إن سقطوا شهداء أورثوا الأمة نصرًا ومعنى لا يموت.وتدحرجت الأيام حتى جاءت الثورة العربية الكبرى، حين امتطى العرب صهوات خيلهم من معان إلى دمشق تحت راية عربية حملها الشريف الحسين بن علي. لم تكن البنادق وحدها التي انتصرت؛ بل إرادة أمةٍ قررت أن تنهض من تحت ركام الإمبراطوريات. من هناك وُلد الأردن الحديث، وطنًا يرفع راية الهاشميين ويصوغ هويةً سياسيةً جديدة للعرب.وفي حرب 1948، كانت اللطرون وباب الواد علامةً فارقة. هناك، في التلال القاسية، وقف الجيش العربي المصطفوي بقيادة الملك عبدالله المؤسس، فأوقف الزحف الصهيوني نحو القدس، وحوّل الطريق إلى مقبرةٍ. وما دخل الجيش العربي المصطفوي أرضًا إلا بقيت عربية، وما رابط جندي أردني على ثغرٍ إلا ظلّ حرًا. فالقدس الشرقية وأكنافها بقيت بأيدٍ عربية، شهادةً دامغة على أن الدم الذي سُكب لم يذهب سُدى.وبعدها بسنوات، في السموع عام 1966، جاء الامتحان. اعتقد العدو أن قريةً صغيرة يمكن أن تكون مدخلًا لكسر الإرادة، فواجه الجيش العربي العدوان ببسالةٍ حملت رسالةً واضحة: الأردن لا يُختبر، والأرض لا تُمسّ دون حساب. هناك امتزج الدم بالتراب، وصار صدى المعركة وعدًا بالرد ساعة الحاجة.ثم الكرامة، ملحمة العز في 21 آذار 1968. ظنّ العدو أنه سيعبر النهر ويهزم خط الدفاع الأردني بضربة واحدة، لكنه لم يكن يعرف أن من يقف أمامه هو الجيش العربي المصطفوي بقيادة الملك الحسين ابن طلال ، صخرة لا تهتز، رجالٌ حملوا إرث مؤتة واللطرون وباب الواد في دمائهم. على الضفاف، وقف الجنود الأردنيون صامدين، يراقبون تحركات العدو بكل يقظة، كل طلقة وكل مناورة تُحوّل إلى درسٍ في الصمود والتكتيك.حين تقدمت المدرعات، كان الرد حاسمًا: المدافع تصدّ الدبابات، الجنود ينهضون على الأسوار، ويرسلون إشارات القوة والسيادة. لم تكن الكرامة مجرد مواجهة عسكرية، بل درسٌ في عزيمة الجيش المصطفوي الذي عرف أن كل خطوة للأرض هي مسؤولية وطنية، وأن أي تهاون يعني سقوط الكرامة نفسها.سقطت الدبابات واحدة تلو الأخرى، وانهارت صفوف القوات الغازية أمام صلابة الأردنيين. كل موقف، كل خندق، كل جندي على الأرض كان يثبت أن التاريخ سيشهد على قوة الجيش وحده، وأن إرادة الأردن لا تقهر. وعندما انسحب العدو، كان مدحورًا، يجرّ ذيول الخيبة أمام إرادة الجيش المصطفوي التي صنعت النصر.ومنذ ذلك اليوم، أصبح الجيش العربي المصطفوي رمزًا للكرامة والسيادة، صوتًا يقول بصراحة: لا هزيمة بعد اليوم، لا انكسار ما دام فينا نفس، ولا تراجع عن أي شبر من أرض الوطن.هكذا تمتد الحكاية من ميشع إلى مؤتة، من الثورة إلى اللطرون وباب الواد، من السموع إلى الكرامة. ليست قصصًا في كتب التاريخ، بل دماء وأرواح صنعت قلعةً للعرب والأمة. على هذه الأرض صاغ الرجال معنى العز، وأقسموا أن الكرامة لا تُساوم، وأن السيادة لا تُمسّ.واليوم، يقف جلالة الملك عبدالله الثاني وارثًا لهذا المجد ووصيًّا على هذا التاريخ. منذ أن تولى عرش آبائه، حمل في قلبه روح الجندي الذي قاتل على أسوار القدس وفي وديان الكرامة، وقاد معركته الدبلوماسية بشجاعة العسكري وحكمة القائد. هو العسكري القوي الذي يعرف أن السيادة تُحمى بالدم والحديد إن لزم الأمر، وهو في الوقت ذاته رسول سلام يصدح برسالة الأردن إلى العالم: أن الأمن لا يقوم إلا على العدل، وأن السلام لا يكون إلا بكرامة الشعوب وحقوقها.فلتُقرع طبول الحرب إن شاءوا، ولتُفتح ساحات الوغى إن فرضوا. فالأردن لم يكن يومًا طالبًا للحرب، لكنه لم يكن يومًا خائفًا منها. هنا ملكٌ محاربٌ حكيم، يوازن بين السيف وغصن الزيتون، ويقود أمةً تعرف أن النصر يصنعه الثبات، وأن السلام يكتبه الأقوياء.ونردد بكل سحجة وسامر وجوفية،غزلان وردن وصدن روس النواوير عشاه حنّا سند جيشنا، لا صار سوقَ المنايا للطير نرمي عشاهحنّا سِعد رَبعَنا، سموم يا أهل الحَميةَ والضد حنّا وراههذي أهازيج الفرح نرفعها بصوتٍ عالي، فما بالكم لو صارت أهازيج الحرب؟
الحسبان يكتب: يا هلا بالحرب ويا هلا بساحات الوغى
مدار الساعة ـ