حين تُعاد صياغة المشهد البلدي بعد حل المجالس المنتخبة، يقف الإنسان أمام مرآة الزمن، يرى فيها صدى إرادته وقدرته على تحويل التكليف إلى فعل حياة، والقرار الإداري إلى تجربة تحمل صدى المجتمع بأسره. إن تشكيل اللجان في هذه المرحلة المؤقتة ليس مجرد تغيير أسماء أو إعادة توزيع مقاعد، بل هو اختبار حقيقي للضمير، حيث يصبح كل فرد مسؤولًا عن إشراقة يوم آخر، ويصبح كل قرار نبراسًا يضيء طريق الآخرين.
لقد كان لوجود المرأة في هذه اللجان بعدٌ فريد، يتجاوز مجرد التمثيل الرقمي، فهو حضور أشبه بالنور الذي يبدد ظلال الحيرة ويحوّل التحديات إلى فرص. ففي جميع اللجان، قدّمت النساء نموذجاً فريداً من التفاني والإخلاص، يظهر كيف أن الطموح حين يلتقي بالمسؤولية يتحول إلى قوة صلبة تدفع الجميع نحو الإنجاز، ويُثبت أن القيادة ليست حكرًا على جنس بعينه، بل على الإرادة والفكر والقدرة على العمل المبدع.وفي بلدية الوسطية، كانت تجربتي الشخصية مع زميلتين مهندستين وعضوة من المجتمع المحلي تجربة ملهمة، فقد نسجْن بخيوط جهدهن لوحةً من العزم والإصرار، كل قرار فيها كلمسة فنان يخلق صورة متكاملة، ويؤكد أن المسؤولية ليست مجرد واجب بل رحلة مستمرة من التفاني. وإلى جانبهن، كان لرئيس اللجنة المهندس فتحي خصاونة بصمة قيادية واضحة، إذ أحسن توجيه العمل بروح الفريق، فصارت الطاقات متناغمة كأوتار آلة موسيقية، تتفاعل لتخرج لحن الإنجاز والجودة. ولم يكن الرجال هناك مجرد مرافقين، بل كانوا سندًا حقيقيًا، يعززون الاستقرار ويكملون المسيرة بإخلاص وجدية، ليصبح الإنجاز نتيجة للتناغم والتعاون الحقيقي.أما في بلدية بني عبيد، فقد ارتقت المهندسة منار ردايدة برئاستها إلى مستوى يُحتذى به، إذ جمعت بين الدقة الإدارية والإنسانية العالية. ومعها تألقت زميلاتها العضوات، وقدمن نموذجًا للمرأة العاملة بعزم وحكمة، فيما كان زملاؤهن الرجال داعمين وشركاء في الإنجاز، يعملون بهدوء وثبات، ليؤكدوا أن التميز لا يكتمل إلا بالشراكة المتوازنة بين النساء والرجال، وأن القوة الحقيقية تكمن في تكامل الأدوار وتضافر الجهود.وفي إربد الكبرى، كان المشهد أكبر وأكثر اتساعًا، حيث حمل الرئيس المهندس عماد العزام وزملاؤه أعضاء اللجنة عبء مدينة كاملة، فعملوا ليل نهار بلا كلل أو ملل، وكان جهدهم كسباق مع الزمن، ليتركوا بصمة واضحة على مسيرة العمل البلدي، مؤكدين أن المسؤولية تُقاس بالفعل لا بالقول، وأن الانتماء للوطن فعل يومي مستمر، لا يوقفه أي قرار أو ظرف مؤقت، وأن كل عضو، رجلًا كان أو امرأة، هو شعاع في منظومة واحدة تنبض بالحياة والإبداع.إن التركيز على هذه البلديات الثلاث لا يقلل من شأن أي لجنة أخرى، بل جاء لتسليط الضوء على تجربة شخصية مباشرة: كوني عضوًا في الوسطية، وساكنًا في بني عبيد، ومكان عملي ضمن منطقه إربد الكبرى، فقد شهدت عن قرب كفاءة الجميع وتكامل الجهود. ومع ذلك، فإن كل اللجان الأخرى تواصل العمل على نفس النغم، بنفس الإخلاص والجدية والروح الوطنية، فلا لجنة تُستثنى من هذا التناغم الجماعي الذي يحركه الانتماء والولاء، وتستمر التجربة في كل زاوية من الوطن، حيث تعمل العقول والقلوب معًا دون تمييز، وتتضافر الطاقات في خدمة الناس.وهنا تأتي الفلسفة العميقة لهذه المرحلة: المسؤولية الجماعية تتجلى حين تتعاون العقول وتتمازج القلوب، حين تقدم النساء المرونة والحكمة، ويضيف الرجال الصلابة والدعم، ليصبح كل إنجاز مشتركًا، وكل قرار ثمرة توافق، وكل جهد صدى دائمًا في المجتمع. هذا الانسجام بين الطاقات هو الذي يحوّل التكليف المؤقت إلى إرث حيّ، واللحظة العابرة إلى أثر خالد، والقرار الإداري إلى مدرسة في الإبداع والانتماء. ففي كل لجنة، مهما كانت المساحة أو حجم العمل، يظهر التناغم بين الذكاء والفطرة، بين العزم والحنو، بين الجدّ والروح الإنسانية، لتصبح التجربة درسًا عمليًا وفلسفة حيّة في العمل الجماعي.ونحن نخوض هذه المرحلة المؤقتة، لا ننسى أننا امتداد لزملاء سبقونا من أعضاء البلديات ورؤسائها المنتخبين، الذين أثبتوا إخلاصهم في خدمة مجتمعاتهم، والذين تركوا إرثًا يجعلنا نكمل الطريق لا لنلغي الماضي، بل لنحمله ونضيف إليه، تحت ظل رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، الذي جعل من العمل البلدي قاعدة في بناء حاضر وركيزة في صياغة مستقبل، ليكون كل يوم عمل مدرسة في المسؤولية، وكل قرار لحنًا في سيمفونية الوطن.وهنا أقول كلمتي:إن المرأة حين تُمنح فرصة المسؤولية، لا تكسر السقف الزجاجي فحسب، بل تحيله إلى نوافذ واسعة يدخل منها نور الأمل للجميع.وقد قلت شعراً:إذا اجتمع الحلم والعزم في يدٍ *** نهضت به الأوطان تنهض كالنهارفلا الرجالُ يضيئون وحدهم درباً *** ولا النساءُ يزهرن دون اقتدار
الرجوب يكتب: أنوثة الإرادة ورجولة المسؤولية: جدلية الحضور في لجان البلديات
مدار الساعة ـ