أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

عباسي تكتب: الفنون.. روح المجتمع الأردنيّ وجوهر هويّته


د. هبة عباسي

عباسي تكتب: الفنون.. روح المجتمع الأردنيّ وجوهر هويّته

مدار الساعة ـ

لم تكن الفنون يومًا زينة تضاف إلى هامش الحياة، بل هي قلب الحياة النّابض، وروحها العميقة. فمنذ أن وعى الإنسان وجوده، كانت الفنون شاهدة على حضوره، تعبّر عن وجدانه، وتنقل أسئلته الكبرى، وتؤرّخ لحظاته في الفرح والحزن، وفي الانتصار والانكسار. وقد اختلفت الرّؤى حول ماهيّتها؛ فمن المفكّرين من اعتبرها غاية في حدّ ذاتها، بينما رأى آخرون أنّها قوّة اجتماعيّة تفتح البصائر، وتبني الوعي.

فالفنّ، بمختلف تجلّياته، قد يكون مرآة تكشف الجروح الاجتماعيّة المسستترة،، ونبعًا يرقى بالذّائقة ويفيض بالإنسانيّة، وصرخة في وجه الظّلم، ونشيدًا يخلّد الأمجاد التّاريخيّة.

ومهما تباينت التّعريفات ووجهات النّظر؛ تبقى الفنون إبداعًا إنسانيًّا أصيلًا، ينبع من حياة النّاس، ويسهم في تطوّرهم المستمرّ، ويثري وعيهم بالجمال.

لذلك يمكن القول إنّ الفنّ ليس مجرّد ترف جماليّ، بل طاقة نفسيّة وتربويّة واجتماعيّة واقتصاديّة وحضاريّة، تجعل منه ركيزة من ركائز النّهضة، ومرآة حقيقيّة لهويّة المجتمع الأردنيّ.

لكن؛ حين تعلو الأصوات في ساحتنا الثّقافيّة الأردنيّة مطالبةً بإنصاف الفنون، فذلك ليس مجرّد نداء، بل جرس إنذار يستحقّ أن نصغي إليه؛ فالفنّ ليس ترفًا يضاف إلى الهوامش، ولا شأنًا نخبويًّا محدود الأثر، بل هو جوهر هويّتنا الوطنيّة، ولسان حال النّاس في التّعبير عن واقعهم وأحلامهم.

إنّ تغييب الفنون أو تهميش حضورها، لا يصادِر دور الفنّان فحسب، بل يضعف صورة الأردنّ الثّقافيّة أمام العالم، ويجرّد الأجيال النّاشئة من ركيزة أساسيّة، تعمّق انتماءها، وتغذّي جذورها في أرضها، وتمنحها زادًا من الوعي والجمال لا غنى عنه.

ومن يتأمّل مسيرة الدّولة الأردنيّة، يدرك أنّ الفنون لم تغب يومًا عن وجدانها؛ بل كانت حاضرةً دومًا كروح خفيّة تصوغ ملامحها، وتضيء دروبها. ويواصل جلالة الملك عبدالله الثّاني هذا النّهج الرّاسخ، مؤكّدًا في أوراقه النّقاشيّة أنّ الثّقافة والإبداع جزء لا يتجزّأ من مشروع التّحديث الوطنيّ. وقد انعكس هذا التّوجّه عمليًّا في مبادرات ومشروعات، أفسحت للفنون مجالًا فاعلًا حيويًّا، بل إنّ الفنون تجلّت بأبهى صورها في المناسبات الوطنيّة الكبرى، من احتفالات الاستقلال إلى زفاف سموّ وليّ العهد، حيث أطلّ الأردنّ فيها أمام العالم في أبهى حلّة، متأنّقًا في روح فنّه وثقافته.

غير أنّ التّحدّي الأكبر يكمن في ضرورة وجود سياسات مؤسّسيّة تحوّل الاهتمام بالفنّ إلى برامِج واقعيّة، ودعم مستدام للفنّانين. وما يحتاجه المشهد الفنّيّ اليوم هو تبنّي خطط واستراتيجيّات مستقبليّة واضحة، تكفل ديمومة هذا الدّعم، وتضمن أن تظلّ الفنون حاضرة وفاعلة، بعيدة عن عوالم المبادرات المؤقّتة، والمناسبات الاحتفاليّة، لتصبح جزءًا راسخًا من تطوّر المجتمع وهويّته الثّقافيّة.

إنّ مكانة الأمم وعظمتها لا تُقاس بالاقتصاد وحده، بل بما تنتجه من فنون تعكس هويّتها الثّقافيّة وعمقها الحضاريّ. فمن الحضارةِ اليونانيّة إلى مصر الفرعونيّة، ومن بغداد العبّاسيّة إلى إيطاليا الأوروبيّة؛ لم يخلَّد ذِكر هذه الحضارات بقواها العسكريّة أو مواردها المادّيّة فحسب؛ بل بما أبدعته من فنونٍ وثقافات شكّلت إرثها الخالد. ولأنّ الأردنّ الغالي، هو دولة عظيمة، بجذورها وتاريخها وقيادتها، فإنّه يستحقّ أيضًا ثقافةً راقية، وفنونًا عريقة، تليق بعظمته، وتضيء صورته أمام العالم والتّاريخ، وتروي قصص إنجازاته، وتظهر إشراقه الثّقافيّ، وروحه الفنّيّة المبدعة.

مدار الساعة ـ