أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

ابوزيد يكتب: الدوحة ونظرة الى مستقبل الأمن والسلم المجتمعي العربي


زيد ابوزيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح

ابوزيد يكتب: الدوحة ونظرة الى مستقبل الأمن والسلم المجتمعي العربي

زيد ابوزيد
زيد ابوزيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح
مدار الساعة ـ

الآن، وفي الوقت الذي ينظر إليه الجميع إلى ما حدث من اعتداء صهيوني على عاصمة قطر الدوحة التي تستضيف وتلعب دور الوسيط بين الكيان الإسرائيلي المجرم وحركة حماس بشكل رئيس وتنظيمات أخرى لوقف الحرب وتبادل الأسرى بدعم وموافقة أمريكية وشراكة مصرية ، وهنا فإنَّ كثيرًا من الأمور تستوقفني بعد ما يقرب من العامين على حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ترتكبها قوات الإحتلال الصهيوني وعصاباته على أرض غزة ، ولا أنسى الاعتداءات على الضفة الغربية واقتلاع الإنسان والشجر والحجر من المدن والقرى الفلسطينية المحتلة ، ولا أنسى أيضًا أن هذا الإحتلال مرَّ عليه ستة عقود كما مر على احتلال فلسطين ما يقرب من قرن من الزمان والحال هو الحال، بل أنَّ المنطقة من محيطها إلى خليجها أصبحت مستباحة، فذاكرة الأمة العربية تستذكر عمليات الاغتيال الصهيوني لخليل الوزير -ابوجهاد- في تونس بواسطة كوماندوز إسرائيلي كما تستذكر الذاكرة العربية عمليات اغتيال كمال ناصر والنجار وكمال عدوان وغيرهم في بيروت وكثير من الدول العالم، فالكيان الصهيوني مجرم بامتياز عبر تاريخه الدموي والذي يستند بكل وقاحة رئيس وزراءه نتنياهو إلى نصوص تلمودية في ارتكاب كل هذه المجازر من قتل مائة الف فلسطيني في غزة وتدميرها وتهجير سكانها ، الى قصف لبنان واغتيال المئات بل الاف من مواطنيه، إلى قصف سوريا واليمن وربما العراق مرورًا بالضفة الغربية وأخيراً في دوحة قطر التي اعتبرها الرئيس الأمريكي ترامب حليفه القوي والوثيق في المنطقة ، فكيف للعرب والعالم أن يستقر أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا في ظل وجود حكومة الحرب الصهيونية المتطرفة إذ تشاهد أن حلفاء واشنطن يتعرضون للاعتداءات ولا تحرك واشنطن ساكنًا لوقف المجرم نتنياهو عصابته وماذا عن مستقبل الامن القومي العربي والحال هو الحال من اختلال الموازين والمعايير الدولية ، وحالة السكون والاستسلام للواقع المرّْ!!!!، وهي ؤالحالة التي كرر جلالة الملك عبد الله مطولا ضرورة التعامل معها عربيًا ووطنيًا وعالميًا حتى يتحقق العدل في العالم.

لقد عاش العرب أيام بتفاؤل حذر بعد مشقة أيام صعبة عاشها الناس جميعهم في سنوات من ما سمي بالربيع العربي منتظرين المحطة القادمة بأمل كبير وأنا معهم بعد سنوات من ضروب القهر والضياع، والخضوع لضغط هذا وتهديد ذاك في عالمنا العربي ، فأشعر بالوجع ودوار الرأس أيامًا متتالية؛ ما ينتج عنه هزال وضعف تمامًا مثلما يشعر تراب الأرض في وطني العربي الكبير الذي يجعلني أتلذذ بالنشيد الذي يصدح به وردده والدي دائمًا: "وطني حبيبي الوطن الأكبر" هذا النشيد الذي كان أيام ما كانت العزة فيها مفخرة، والأرض التي تعبّر عن الكلام بالعربية تهتف: "وحَدة ما يغلبها غلاب"، ولعلّ ما قادني إلى الكتابة أنني كنت أقرأ أبياتًا للمتنبي وهو يصف حاله مع الحمى:

يقول لي الطبيب أكلتَ شيئًا وداؤك في الشرابِ وفي الطعامِ

وما في طبّه أنّي جوادٌ أضرّ بجسمه طول الجَمامِ

فربطتُ بين ما يعانيه وطني العربي بعد الخراب الذي حل بمعظمه وحالي هذه، وحال أبي الطيب المتنبي من قبلي، فالعالم العربي لا تعوزه قلة المدارس والجامعات- آسفًا على وجود الأمية في بعض أجزائه - ولا تعوزه الأبراج التي يفاخر بها وتكاد تصل إلى عَنان السماء، ولا تعوز بعضه الأموال التي يشتري بها كل شيء حتى أحدث الأسلحة بمليارات الدولارات، ولا تعوزه كثرة المحطات الفضائية - آسفًا على ما يُبَثّ فيها من غثّ - ولا تعوزه كثرة الملاعب الرياضية ولا تعوزه المشكلات وهو للأسف لا يقوى على حل واحدة منها بما فيها مشكلة توفير اللقاحات لمواطنيه كافة، ولا أقول إنتاجها.، ولكن أن يصل الأمر الى استباحة كل أراضيه بهذا الشكل فهذا ما لا يمكن إحتمال نتائجه على مستقبل الأمة وسلامة أراضيها ووحدتها مستقبلاً.

إنّ العالم العربي لا يعوزه الطعام - مع انتشار الجوع وغلاء الأسعار في كثير من أجزائه للأسف- ومع ذلك فإنّ داء العالم العربي ليس في كل ذلك، وإنما - اسمحوا لي أن أقول- في ما قول شاعر العربية (طول الجَمام) أي في الراحة، والاستسلام واليأس، قاتل الله اليأس والاستسلام.

إنني وأنا أشكو وجع وطني العربي وهزاله إنما أتفجر غيظًا لما يجري هنا وهناك من استسلام لمؤامرات التقسيم والهدم الداخلي للأوطان، بعد أن نجح أعداء أمتنا في هدم مفهوم الوَحدة، مرجحين عليها مفهوم الإقليمية والمذهبية، داعين الأقليات القومية وبأوضع أساليب الإغراءات إلى التمرد، ثمَّ يأتي التدخل لخلخلة هذه الدولة أو تلك خدمةً لأغراض الصهيونية الحاقدة واليمين المتطرف في بعض البلدان التي لا تُكنّ للعروبة سوى العَداء، ولا للإسلام سوى التربص؛ عملًا بسياستهم المشهورة (فرِّقْ تَسُدْ)، وهذا الانقسام سينشأ عنه مشكلات لا تقف عند حدّ عربيًّا وعالميًّا.

إنّ الوجع والهزال المتمثل في العالم العربي على شكل إرهاب متعصب تارة، ، وتمرد لدى أصحاب بعض الفرق والجماعات الذين لم يفهموا جوهر الحرية والديمقراطية؛ فأشعلوا الفتن، وأشاعوا الفوضى تحت عناوين منحتها بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي بريقًا، وهي في جوهرها مزيد من إثارة الفوضى وتقسيم للشعب، وحركات مسلّحة أكلت الأخضر واليابس، وهدّدت الإنسان والتراب بالضياع والفرقة التي لا تقف عند حد عند أبناء الشعب الواحد الذي يعاني التشرد وفقدان الهُوية منذ أكثر من سبعين عامًا، ومقاومة الداعين إلى وَحدة الوطن العربي التي تمثل القوة والصحة؛ لذا فإنّ القضاء على هذا الوجع يحتاج إلى دواء لا يتمثل في الطعام والشراب، وإنما يتمثل في الأخذ بأداء المخلصين ودراسته، وترجمته إلى واقع يُنفَّذ على أرض الواقع، فالكلام كثير، والخطابات التي أُلقيَت في المؤتمرات قد عجز الورق عن حملها لكثرتها، ولكنّ التنفيذ ضاع، وكيف لا يضيع، وأصحاب الرأي والمشورة سرعان ما ينسَوْن ما قالوه وكتبوه، وحين تذكّرهم بذلك يقولون: "آفة العلم النسيان"، وإن كان هذا ينطبق على حفظ قصيدة أو وِرْد، ولا ينطبق على مصائر شعوب وأمم، راجيًا منكم المعذرة على قولي هذا.، وها هي النتائج اليوم حرب دموية في فلسطين وقتل الآف من سكانها وهم تحت الاحتلال وأخيراً استهداف عواصم العالم العربي والاسلامي من قبل الكيان الصهيوني دون رادع أو وازع ؟؟؟.

إنني وأنا أشكو وجعي ووجع أمتي، وهزال حالي وهزال أمتي لست يائسًا، فإنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ففي الأمة مقدّرات هائلة، وثروات طائلة لا تتمثل بما في جوف الأرض فحسب، وإنما أيضًا في شبابها الذي إن مُنِحوا الفرصة صنعوا التغيير.

وهنا أذكر لكم أبياتًا شعرية للتذكير:

العُربُ ما خَضَعوا لِسُلطَةِ قَيصَرِ يَومًا وَلا هانوا أَمامَ تَجبُّرِ

لا يَصبِرونَ عَلى أَذىً مَهما يَكُنْ وَالحُرُّ إِن بَسَمَ الأَذى لَم يَصبِرِ

هذي البِلادُ عَرينُنا وَفِدىً لَها مِن نَسلِ يَعرُبَ كُلُّ أَسدٍ هَصَّرِ

وقد ذكرتني الأبيات السابقة للشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود بحال الأمة العربية المهين والمثير للأسى، وهي تنتقل من زقاقٍ إلى زقاق، واقفة عند أمجادٍ تركتها خلفها تتحسر عليها، وتستذكر ماضيها التليد وهي ترى حالها كحال أبي عبد الله الصغير وهو يغادر غرناطة.

لقد عملت التجزئة والفرقة عملها في الأمة العربية، فرزحت تحت أنواء وأزمات متتالية، وحروب مستمرة وحصار يتلوه احتلال، ليشكّل ذلك تهديدًا لهُوية الأمة الثقافية والاجتماعية والسياسية.

إنّ الأبيات السابقة تمنحنا الأمل بالتغيير؛ لأنّ العربي لا يقبل الضيم ولا الظلم وأن طالت السنوات، ولكنّ الظروف التاريخية للوطن العربي الذي رزح تحت الاستعمار طويلًا، تجعل الحال التي وصلنا إليها غير مستغربة، فالوطن العربي يمر منذ قرون وعقود بحالة من الاستهداف الخارجي، وقد تحدث التاريخ عن هَمَجِية التتار والمَغول وقسوة الاستعمار الإيطالي والبريطاني والفرنسي وغيرها من أشكال الاستعمار والاستكبار التي عصفت وما زالت بمصير الوطن العربي، وهي ممّا لا شك فيه ظروف شتّت الجهد، وعمّقت روح الهزيمة؛ فغابت إرادة التغيير على الرغم من وجود ضوء هنا أو هناك يجعل ظلمة النفق تتضاءل قليلًا؛ ما يولد الأمل بمستقبل أكثر إشراقًا.

إنّ معالم الاستعمار وسلوكه الجديد تبدو واضحة في سياسة الإجرام ونهج الهمجية والإبادة الجماعية التي يتبناها زمرة المتحكمين في العالم اليوم من اللوبيات وأصحاب الشركات العابرة للقارات؛ ليبقى العالم ومنه وطننا العربي بين مطرقة الاستكبار والهمجية من دول متحكمة في القرار العالمي، وسندان دولة عصابات صهيونية متطرفة اسوطنت المنطقة وعاثت فيها فسادًا.

وخلاصة الأمر أن شواهد المستقبل تشير إلى أنّه إنْ بقي الحال كما هو؛ فإنّ مجهولًا ينتظرُ الأمة العربية في المراحل القادمة، وهو مجهول لا يُعرَف حتى الآن حجمه وشكله ولونه، ولكنّه مجهول مرعب في ظل اختلال ميزان القوى الخطير لصالح أعداء هذه الأمة، وعدم وجود أي تحرك جدّي للتخلص من جذور التجزئة والتفرقة في الصف العربي، إلى جانب تغول المشروع الصهيوني ووصول اليمين المتطرف العنصري للحكم في الكيان الصهيوني.

لقد أصبح الوطن العربي مستباح التراب والهواء والماء والسماء، وأصبحت كرامة الإنسان العربي مهدورة، بل لم يفلت من الاستهداف أحجاره وأشجاره، وبره وبحره، ولا حتى بُيوت الله، وكل ذلك تحت عباءة ديمقراطيه العم سام التي تُعدّ نموذجًا يُحتَذى به لدى بعض المتخاذلين.

إنّ العرب لو امتلكوا ناصية أمرهم لتحققت وَحدتهم، وتمكنوا من مواجهة جُلّادهم، في ظل اتباعهم الضوء الذي يلوح في نهاية نفق الظلام، وهذا الضوء يصلح الخلل اجتماعيًّا وثقافيًّا وفكريًّا وسياسيًّا، وهو ما قد يحقق مفاهيم النهضة والتنوير والتنمية، ويضع آليات تقود في نهاية المطاف إلى إصلاح الوضع العربي وإدارة أزماته، ومنبع هذا الضوء الحرية والوَحدة والديمقراطية واعداد مواطنية لمواجهة الاستكبار الصهيوني ليصدق الشاعر في قوله السابق ذكره حتى لا تستهدف الدوحة مرة أخرى أو بيروت ودمشق وصنعاء وغيرها.

مدار الساعة ـ