أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

قرقودة تكتب: الأربعون.. العُمرُ الذي تتفتَّحُ فيهِ الرُّوحُ


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: الأربعون.. العُمرُ الذي تتفتَّحُ فيهِ الرُّوحُ

مدار الساعة ـ

في الأَربعينَ، تتوقَّفُ المَرأةُ قليلًا أمامَ مِرآةِ عُمرِها، فتجِدُ أنَّ التَّجاعيدَ لَيسَت سِوى وَشْمٍ صَغيرٍ لِحِكاياتِها، وأنَّ البَياضَ الذي يُلامِسُ خُصَلاتِ شَعرِها هو وِسامُ خِبرةٍ، لا عَلامةَ أُفولٍ. في هذا العُمرِ، لا تَخشى الأُنثى أنْ تُعلِنَ أنَّها صارَت أَكثرَ جَمالًا، لأَنَّ جَمالَها لم يَعد مَرهونًا بالوَجهِ فَقط، بل بالعَقلِ الذي صَقَلَتْهُ التَّجارِبُ، وبالقَلبِ الذي ما زال نابِضًا بالحبِّ رَغمَ كُلِّ الخَيباتِ.

المَرأةُ في الأَربعينَ تُشبِهُ شَجرةَ زَيتونٍ في مَوسِمِها؛ ضارِبةً في الجُذورِ، ثابِتةً في الأَرضِ، ومُمتدَّةً في السَّماءِ. هي لم تَعُد تِلكَ الفَتاةَ التي تَسعى لِرِضا الجَميعِ، ولم تَعُد تَنكَسِرُ مِن كَلِمةٍ عابِرَةٍ. لقد تَعلَّمَت أنْ تَزِنَ الكَلِماتِ بميزانِ عَقلِها، وأنْ تُصغيَ جَيِّدًا لِصَوتِها الدّاخِليِّ، ذاكَ الصَّوتِ الذي طالَما حاوَلَت تَجاهُلَهُ في شَبابِها، لكنَّهُ اليومَ صارَ مُرشِدَها ورَفيقَها الأَوفى.

هذا العُمرُ يُمنِحُها صَفاءَ الذِّهنِ، وحِدَّةَ البَصيرَةِ. صارَت تَعرِفُ جَيِّدًا أنَّ الطُّموحَ لا يَشيخُ، وأنَّ الأَحلامَ لا تَموتُ، بل رُبَّما تَكتَمِلُ في هذهِ المَرحلةِ لِتُصبِحَ أَكثرَ واقِعيَّةً ونُضجًا. فالمَرأةُ في الأَربعينَ لا تَحلُمُ كما كانت تَحلُمُ في العِشرينَ، ولا تَركُضُ خَلفَ السَّرابِ كما فَعَلَت في الثَّلاثينَ؛ بل هي تَختارُ أَحلامَها بوعيٍ، وتُقاتِلُ لأَجلِها بِشَجاعةٍ، لأَنَّها تُدرِكُ تَمامًا ما تَستَحِقُّ.

إنَّها في هذا العُمرِ تَتصالَحُ مَع جَسدِها، مَع ماضيها، مَع اختِياراتِها حتّى لو كانَت تِلكَ الاختِياراتُ صَعبةً. تَتصالَحُ مَع صورَتِها في المِرآةِ، ومَع قَلبِها الذي عَرَفَ الحُبَّ والفَقدَ، لكنَّها لم تَعُد تَسمَحُ لِلخُذلانِ أنْ يُثقِلَها. الأَربعونَ لَيسَ استِسلامًا، بل بَدايةَ فَصلٍ أَكثرَ إشراقًا، حيثُ تَكتَشِفُ الأُنثى أنَّ قِيمتَها الحَقيقيَّةَ تَكمُنُ في ما تَحمِلُ مِن وعيٍ، وعَطفٍ، وكرامَةٍ، وإصرارٍ.

المَرأةُ في الأَربعينَ تَكتُبُ قِصَّتَها بِنفسِها، وتَقرَأُ ذاتَها بِتَمعُّنٍ، وتُدرِكُ أنَّها لم تَعُد نُسخةً مُكرَّرَةً مِن أَحدٍ. إنَّها امرأَةٌ بِطُموحٍ لا تَحدُّهُ سِنونٌ، بِحُلمٍ يُعانِقُ الأُفُقَ، بِعَقلٍ راجِحٍ يُوازِنُ بَينَ العاطِفَةِ والمَنطِقِ، وبِقَلبٍ حَيٍّ يُثبِتُ أنَّ الحَياةَ لا تُقاسُ بالزَّمَنِ بل بِقُدرَةِ الرُّوحِ على البَقاءِ مُتوهِّجَةً.

الأَربعونَ… لَيسَ غُروبًا لأُنوثَتِها كما يَتَوَهَّمُ البَعضُ، بل هو شُروقٌ مُختَلِفٌ. شُروقُ امرأَةٍ تَعرِفُ أنَّ كُلَّ ما مَضى كانَ تَدرِيبًا كَي تَصِلَ إلى هذِه اللَّحظةِ؛ لَحظَةِ الامتِلَاءِ، لَحظَةِ القُوَّةِ، لَحظَةِ النُّضجِ الذي يَليقُ بِها.

فَلتُرفَعِ التَّحيَّةُ لِكُلِّ امرأَةٍ في الأَربعينَ، لأَنَّها لَيسَت مُجرَّدَ رَقمٍ في شَهادَةِ الميلادِ، بل شَهادَةُ حياةٍ على أنَّها عَبَرتِ العاصِفَةَ ووقَفَت شامِخَةً، وأنَّها اليَومَ أَكثرُ إشراقًا، أَكثرُ عُمقًا، وأَكثرُ استِحقاقًا لِلحياةِ.

مدار الساعة ـ