قطر التي دفعت قبل أشهر ثمن تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية من صورتها كبلد آمن مستقر، تدفع اليوم نفس الثمن جراء استضافة قيادة حركة حماس. والدوحة التي كانت منتشية بدورها الدبلوماسي كوسيط، تجد نفسها اليوم عالقة بين نيران الأصدقاء قبل الأعداء.
علاقاتها الوثيقة مع إيران، رغم أزمات الأخيرة مع دول الخليج والخلاف حول سورية، لم تشفع لها عند القيادة الإيرانية، التي أصرت قبل أشهر على قصف القاعدة الأميركية في قطر، دون سواها من أهداف أميركا الكثيرة في المنطقة. ودورها في الوساطة بين حركة حماس وإسرائيل الذي أنقذ أرواح العشرات من الرهائن الإسرائيليين، لم يشفع لها أيضا عند نتنياهو ولا ترامب، الذي علم بالهجوم على الدوحة قبل وقوعه.مثلما كان إصرار طهران على التعدي على السيادة القطرية أمرا مفاجئا وصادما للدوحة، كان الهجوم الإسرائيلي سلوكا غادرا وجبانا بنظرها أيضا.رغم الخلافات القطرية الإيرانية حول سورية، ظلت الدوحة شريكا مهما لطهران، تتقاسم معها ثروات البحر، وتساند مواقفها تجاه الملف النووي. مع إسرائيل لم تكن العلاقات القطرية أبدا بذاك السوء الذي يضعها في خانة الأعداء. قطر حليف إستراتيجي للولايات المتحدة، وبطلب من واشنطن استضافت قيادة حماس على أراضيها لسنوات طويلة.ومنذ السابع من أكتوبر، أصبحت الدوحة مزارا دائما للموساد الإسرائيلي، حيث الاجتماعات الماراثونية، في إطار الوساطة القطرية المصرية، بين حماس وإسرائيل لوقف الحرب على غزة، وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، التي نجحت في السنة الأولى من الحرب بتحقيق اختراقات، أشادت بها تل أبيب وواشنطن. في مبنى واحد جمعت قطر قيادة الموساد وحماس، مرات عديدة، في مفاوضات غير مباشرة، كان الوسيط فيها قطريا.بعد الهجوم الإيراني على الأراضي القطرية، أدركت واشنطن أن حليفتها المستقرة، تعرضت لإهانة بسببها، فبادر الرئيس الأميركي آنذاك، للاتصال مع أمير قطر، ليبلغه قرار إسرائيل وقف العمليات العسكرية ضد طهران، مانحا قطر فرصة تعويض ما لحق بها من خسارة، نقلت قطر هذا القرار للقيادة الإيرانية، ليسجل السبق والفضل لها في إخماد حرب كادت أن تشعل الإقليم كله.كان ذلك تعويضا معقولا بالنسبة لقطر، خفف من وطأة الصدمة التي تعرضت لها جراء أول هجوم مباشر على أراضيها.لم يخطر ببال القيادة القطرية أن نيران إسرائيل بعد السابع من أكتوبر ستصل أراضيها بعد كل ما فعلته لأجل تحرير رهائنهم، وما قدمته من قبلُ لغزة بترتيب كامل مع نتنياهو وحكومته ومعرفة واشنطن، حيث ملايين الدولارات التي ضختها عبر تل أبيب، لإبقاء غزة تحت حكم حماس مستقرة ومنتعشة اقتصاديا.أمس خرج الرئيس الأميركي لقول إنه أبلغ الدوحة بالهجوم الوشيك عليها من إسرائيل، وهو ما نفته القيادة القطرية، التي أكدت أن الاتصال وصل مع الصواريخ الإسرائيلية. وفي البيان الصادر عن البيت الأبيض، قال ترامب إن الهجوم الإسرائيلي لا يخدم مصالح أميركا ولا إسرائيل. وفي اتصاله مع أمير قطر، دان الهجوم الإسرائيلي بشدة، حسب البيان الرسمي القطري.هذه الإدانة لا تكفي الدوحة، ومثلها إعلانه عن توقيع اتفاقية تعاون دفاعي مع الدوحة، عمّا لحق بها من أذى وإهانة واعتداء على سيادتها.ها هي قيادة حماس قد نجت من الهجوم الإسرائيلي، ولا يعرف إن كان للتحذير الأميركي المبكر دور في ذلك. والرسالة الإسرائيلية وصلت لقيادة حماس، يبقى حق الدوحة عند واشنطن وحماس أيضا. يتعين على ترامب أن يكسر عناد وعنجهية نتنياهو ليقبل بصفقة معقولة لوقف الحرب على غزة. مثلما ينبغي على حماس أن ترد الجميل للدوحة بعد أن نجت من الاغتيال، وما تحملت لقاء استضافتها، بتفويض القيادة القطرية عقد اتفاق لوقف دوامة الموت والمعاناة في غزة.
ما هو التعويض العادل لقطر؟
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ