أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات مستثمرون جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

فرصة حقيقية أمام الحكومة


سلامة الدرعاوي

فرصة حقيقية أمام الحكومة

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ

أحد اهم معايير الإصلاح المالي هو الوصول لفرضيات قانون الموازنة الذي أقره مجلس الأمة بالشكل الذي تقدمت به الحكومة، وهذا يعني تحقيق العجز المستهدف دون زيادة وانحاز الإيرادات وضبط النفقات دون تجاوز الخطوط الأساسية، كما حدث في قانون ميزانية 2024 والتي خالف واقعها الفعلي فرضياتها بأكثر من 900 مليون دينار نتيجة تأخر الحكومة السابقة في اتخاذ الإجراءات التصحيحية الضرورية ومعالجة نقص الإيرادات وضبط النفقات بالوقت المناسب.

الحكومة ما تزال تمتلك فرصة حقيقية لإعادة ضبط التوازن المالي والاستقرار للخزينة، ورغم كل الضغوطات السياسية والإقليمية التي واجهتها خلال الفترة الماضية، فالأحداث الكبرى التي عصفت بالمنطقة، كالحرب الإيرانية الإسرائيلية وتداعيات الحرب على أشقاء في قطاع غزة، انعكست بشكل مباشر على الطلب الكلي في الاقتصاد الأردني، وأدت إلى تراجع في حركة الاستهلاك والإنفاق، فضلًا عن تراجع الإيرادات من ضريبة المحروقات والتي شكّلت عامل ضغط إضافي على الخزينة.

لكن رغم ذلك، تبقى الفرصة سانحة أمام الحكومة لتصحيح المسار عبر مجموعة من الإجراءات المالية والإدارية القابلة للتنفيذ، والتي يمكن أن تشكّل دفعة قوية بالتوازي مع خطة التحديث الاقتصادي.

أول هذه الإجراءات يتمثل في فرض رسوم ضريبية على السلع الكمالية، وهذا الإجراء، وإن بدا قاسيًا للبعض، يعد طبيعيًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، إذ إن توجيه الضرائب نحو السلع غير الأساسية لا يمس الطبقات المتوسطة والفقيرة مطلقاً، وفي الوقت نفسه يوفر إيرادات إضافية للخزينة يمكن استثمارها في تعزيز الخدمات العامة وتخفيف الضغوط على الموازنة.

وذلك لأن السلع الكمالية غالبًا تستحوذ على نسبة ضئيلة من حجم الطلب العام، لكنها تحمل قدرة عالية على رفد الإيرادات إذا ما خضعت لسياسات ضريبية أكثر انضباطًا.

الإجراء الثاني هو رفع أسعار بعض المنتجات التي ما تزال اسعارها اقل مما هي عليه في المنطقة، وعلى رأسها السجائر، خاصة أن التجربة أثبتت أن الزيادة المتدرجة على أسعار التبغ تحقق هدفين متوازيين: الأول هو زيادة الإيرادات الضريبية بشكل مباشر، والثاني هو الحد من الاستهلاك المضر بالصحة العامة، مما يقلل على المدى الطويل من كلفة الرعاية الصحية، بهذا المعنى، فإن القرار لا يصب فقط في مصلحة الخزينة، بل يعزز أيضًا أهداف السياسة الصحية للدولة.

أما الخطوة الثالثة، فهي إعادة النظر بالقرار الجمركي الذي اتخذ في عهد حكومة الخصاونة عام 2022، والذي قضى بتخفيض الرسوم الجمركية إلى أربع شرائح، وهذا القرار تسبب بخسائر جسيمة للخزينة بلغت مئات الملايين من الدنانير خلال السنوات الثلاث الماضية، سواء من خلال الرسوم الجمركية التي تراجعت بشكل كبير، أو من خلال تراجع الإيرادات المتحققة من ضريبة المبيعات.

وقد اعتبر كثيرون أن هذا القرار كان بمثابة "جريمة اقتصادية"، إذ إنه لم يؤدِّ إلى تحقيق الغاية المعلنة منه، وهي تنشيط السوق، بل انعكس بضرر مباشر على الإيرادات العامة، والعودة عن هذا القرار وإعادة النظام الجمركي إلى ما كان عليه قبل عام 2022 قد يشكل نقطة تحوّل حقيقية في إعادة التوازن المالي.

الإجراء الرابع الذي يمكن أن يسهم في معالجة العجز هو ضبط النفقات العامة، وخاصة النفقات الرأسمالية التي لم يتم استكمال تنفيذها، أو تلك التي لا تحقق قيمة مضافة واضحة على الاقتصاد الوطني، وإعادة هيكلة هذه النفقات وتوجيهها نحو المشاريع الأكثر جدوى يتيح مساحة أكبر للخزينة لتقليل الضغوط المالية وتوجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر إلحاحًا.

إذا ما تم تطبيق هذه الإجراءات مجتمعة، فإن الحكومة ستقترب بدرجة كبيرة من تحقيق الفرضيات الواردة في قانون الموازنة لعام 2025، وهو ما قد يجعلها أول حكومة قد تنجح في الاقتراب من تطبيق هذه الفرضيات بشكل واقعي.

الحكومة أمام فرصة حقيقية، وربما استثنائية، لإثبات أن الاستقرار المالي لا يزال ممكنًا رغم كل الضغوط، والمسألة لا تتعلق بظرف سياسي أو إقليمي مؤقت، بل بقرارات اقتصادية جريئة ومدروسة.

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ