أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات مستثمرون جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

السعايدة يكتب: هل نتعلم من المخططات الصهيونية ضد مصر؟


راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق

السعايدة يكتب: هل نتعلم من المخططات الصهيونية ضد مصر؟

راكان السعايدة
راكان السعايدة
نقيب الصحفيين الأردنيين السابق
مدار الساعة ـ

أمران حسّاسان، ولن أقول خطيران، وإن كانا كذلك فعلاً، تُهدّد بهما "إسرائيل" أمن مصر: المياه والغاز. وعلى الأردن أن يراقب ذلك ويقيّمه ويستخلص منه العِبَر.

لنعترف في البدء أن "إسرائيل" لا تعمل بغباء ولا بعشوائية؛ بل تخطّط لكل شيء، وتأخذ وقتها كاملاً، وتحسب كل خطوة وحركة، وتعلم ماذا تريد وكيف تحقق أهدافها.

هذه حقيقة جليّة لا يجادل فيها أحد، فهي تخطّط استراتيجياً، وتخلق كل واقع ممكن، وتستثمره، لجعل تنفيذ استراتيجياتها وتكتيكاتها في الزمان والمكان اللذين تريد سهلًا وقابلًا للقياس.

على هذا الأساس، وفي سياق هذا الفهم، يمكن استكشاف حجم اللعبة التي تلعبها "إسرائيل" مع مصر، ويمكن أن تلعبها أيضاً مع الأردن.

كيف ذلك؟

أولاً: إن سدّ النهضة الإثيوبي واحد من أخطر التهديدات لمصر؛ تهديد في حال انهار السد، وتهديد آخر لمستقبل نهر النيل وتقلّص المياه المتدفقة فيه. وكلّنا يحفظ عبارة "مصر هبة النيل".

لقد احتاج ملء سد النهضة إلى عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه، ما أدّى، على مدى سنوات، إلى تراجع تدفّق المياه في النيل. وخاضت كلٌّ من مصر والسودان صراعات سياسية طويلة ومعقّدة مع إثيوبيا لثنيها عن مشروعها، لكنها أصرت عليه وأكملت البناء، وها هو ممتلئ، بل وتفكّر في بناء سدود أخرى.

تبيّن لاحقاً أن أميركا و"إسرائيل" كانتا الحلقة الأساسية في فكرة السد وتنفيذه، وقد كشف عن بعض الحقيقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أحد تصريحاته الأخيرة.

هذا المشروع المائي الإثيوبي غُلِّف بغلاف اقتصادي، ليس أقله توليد الكهرباء، لكن جوهره سياسي وأمني يُستخدم ضد مصر لإضعافها ومن ثم ابتزازها.

ثانياً: عرقلة "إسرائيل" تنفيذ اتفاقية الغاز مع مصر، البالغة قيمتها نحو 35 مليار دولار، وتذرّع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعطيل الاتفاقية بحجة أن مصر خالفت اتفاقية كامب ديفيد بوجود جيشها في سيناء، خلافاً لما تشترطه الاتفاقية.

هذا هو الظاهر في الموقف "الإسرائيلي"، لكن الكامن هو الضغط على مصر للقبول بتهجير أبناء قطاع غزة إلى سيناء أو داخل مصر، وعدم إعاقة المخطّط الصهيوني في غزة وفي الضفة الغربية أيضاً.

الغاز والمياه من بين أهم أدوات الصراع التي تستخدمها "إسرائيل" ضد مصر لابتزازها مواقف سياسية وأمنية تصبّ في صالح المشروع الصهيوني.

كان على مصر، الدولة العربية الأكبر والأهم في المنطقة، أن تتنبّه مبكراً لخطر ارتهان مياهها وغازها للّعبة "الإسرائيلية"، وأن تعمل منذ البداية، وبأي طريقة، لمنع إنشاء سد النهضة، ولجعل الكيان الصهيوني خيارها في سدّ حاجتها من الغاز، وهي التي كانت تصدّره قبل أن تتحول إلى مستورد.

هل هذا الدرس كافٍ للأردن ليقدّر الخطر؟

نعم، فما تتعرض له مصر من ابتزاز فجّ يمكن أن يتعرض له الأردن أيضاً. وأظن، أو هكذا أفترض، أن الأردن يتحسّب لذلك.

إن اعتمادنا على سدّ حاجاتنا من المياه والغاز من عدونا كان خطأً استراتيجياً له أكلاف ليست هيّنة، إذا ما فكرت "إسرائيل" في استخدامهما لابتزاز مواقف سياسية لاستيعاب مخطّطها في الضفة الغربية.

لأنه، ببساطة شديدة، إذا قررت "إسرائيل" ضمّ الضفة الغربية وفرض سيادتها عليها، فستكون النتيجة تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين باتجاه الأردن، في تهديد صريح وواضح للأمن القومي الأردني وتصفية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن.

"إسرائيل"، وحتى أميركا، ليستا معنيتين بالأردن إلا بمقدار خدمتهما مخطّطاتهما لإعادة تشكيل المنطقة جغرافياً وديمغرافياً وفقاً لمصالحهما، دون أي اهتمام بمصالح الأردن، وهذا ينطبق كذلك على مصر.

اليوم، ليس أمام الأردن ومصر إلا العمل معاً، وبناء جبهة واحدة، على المستويين العربي والإسلامي، وكذلك الدولي، لكبح جماح ما ترمي إليه أميركا و"إسرائيل".

وأول المواجهة ليس الاستعداد العسكري والسياسي فقط، بل أيضاً إيجاد بدائل للغاز والمياه، ومهما كانت الكلفة، لأن أي كلفة تبقى صغيرة أمام التهديد الوجودي.

وأخيراً أسأل: ما الذي يمنع الأردن ومصر من الانفتاح العميق على التحالف المناوئ لأميركا، الذي أظهرته الصين في عرضها العسكري الأخير، وخطاب زعيمها عن "التنمّر في العالم"، الذي بدا أشبه بإعلان عالمي لصعود قوة مجابهة لأميركا يمكن الاستفادة منها؟

مدار الساعة ـ