تحدثك الحكومة بثقة عن مشاريع بالمليارات، وفي الوقت ذاته تحدثك الحكومة عن الحرب، وبينهما قوس من المفارقات في هذه البلاد.
هناك تناقض من حيث الشكل، وليس المضمون، لأننا خلال أسبوع سمعنا تصريحات حادة ضد إسرائيل، ومخططاتها ضد الأردن، وهي الغارقة في غزة منذ عامين، وإذا كانت التصريحات مطلوبة وتؤكد حرمة التهجير، واستعداد الأردن في الوقت نفسه لاتخاذ كل ما يلزم لمنعه، ولا أحد يعترض عليها إلا أنها أيضا تتوازى مع الإعلان عن خطط ومشاريع اقتصادية بالمليارات، وخطط التحديث الاقتصادي، وكأن الرسالة الختامية أن الأردن مستمر بشكل طبيعي برغم تهديدات الحرب والفوضى ولا يتوقف عن تطوير ملفاته. هذا مفهوم من حيث الرسائل المتوازية، الوقوف في وجه التهديدات، وفي الوقت ذاته استمرار الحياة بشكل طبيعي دون تراجع أو تأثر.لكن المشكلة لا تكمن هنا، حيث تكمن في الجمهور المتلقي، ولا يمكن للجمهور أن يتلقى الرسالتين المتعاكستين بذات الدرجة، إذ ان هذه استحالة سببها وجود جمهور انتقائي وعاطفي يتأثر بكل أزماته الداخلية وأزمات الجوار، ولا يمكن أن نطالب الأردني في أي موقع أن يمزج بين رسالتي الحرب والسلام في كأس واحدة، أي رسالة الحرب مع إسرائيل، ورسالة المستقبل الاقتصادي الواعد.هذه الحالة لا يلام فيها الأردني، إذ إن المستثمر العربي والدولي يشعر بالتوتر أيضا، لأنه لا يمكن أن تتوقع أن يأتي بأمواله إلى الأردن وهو يرى المهددات في الإقليم والمنطقة، وما يرتبط بالأردن حصرا، حيث تتنزل عليه رسائل الحرب والدم في أذنه اليمنى، ورسائل الاستثمار والمال والاقتصاد في أذنه اليسرى على ما فيهما من تناقض، لأن الحرب نقيض السلام، وتحمل معنى مغايرا للاستقرار الذي يبحث عنه المستثمر المحلي، أو العربي، أو الدولي.هل المطلوب هنا أن يتوقف المنطوق الرسمي ضد إسرائيل ووقف مصطلحات الحرب، والإجابة هي لا كبيرة، لان هذا هو الواقع، وسنلوم إذا غاب المنطوق الرسمي، وهل المطلوب أن تتوقف الرسائل الاقتصادية الجاذبة للاستثمار والمبشرة بالمشاريع لأن الإقليم يتفجر، والكل يتحوط على أمواله، والإجابة لا كبيرة أيضا ؟!.تتوقف حالة التناقض الشكلية بين المنطوقين عبر فصل التواقيت الزمنية من حيث موعد الكلام ودلالته حول كل ملف، وثانيهما أن نرى على أرض الواقع استثمارات كبرى ستنطق بنفسها ولوحدها وتقول إن الحياة في الأردن مستمرة، إضافة إلى اختيار تواقيت الرد على أي تحرش من الاحتلال بالأردن، والميل إلى الإجراءات اكثر من التصريحات، وتقديم الأدلة في الخطابين السياسي والاقتصادي على أن لدينا القدرة حقا على إدارة خطاب الحرب، دون أن يؤثر ذلك على خطاب الاقتصاد وجاذبيته وتخفيض النفور من الاستثمار.إذا كانت حرب غزة تركت كل هذا الأثر على الأردن اقتصاديا، ويجهد الأردن لاستعادة حيوية اقتصاده، فما بالنا حين تكون التهديدات الإسرائيلية موجهة إلى الأردن مباشرة، وليس إلى الغزيين، وهذا يعني أن التهديدات الإسرائيلية في جانبها الآخر، تعبر عن حرب أمنية ونفسية ومعنوية ضد الأردنيين يراد من خلالها تهبيط معنويات الداخل الأردني وتثبيط قطاعاته، ولهذا يمكن تفهم استمرار خطاب التعزيز الاقتصادي في سياقات معارضة مستهدفات خطاب التهديم النفسي المتدفق عبر الحدود، وهو خطاب مدروس. الخلاصة هنا تقول إن علينا إعادة التفكير بالنمطية، حتى تنخفض حالة التشويش، فالأردني يؤجل شراء شقة، لأنه يتحوط من تمدد الحرب، ولا يمكن إخراجه من هذه الحالة بسكب شراب حلو وآخر شديد المرارة في ذات الكأس، وتركه ليختار أو يتوقع أو يتنبأ.ثم أننا لا نلوم أحدا، فالكل فينا يمشي فوق حبل مشدود، والخيارات محدودة، والمطالعة ها هنا لا تتقصد الذوات الكريمة التي تنطق على مسامعنا، بقدر توصيف الحالة العامة، وارتداد العناوين على الشعب.
حرب مقبلة أم مليارات قادمة؟
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ