إن أصحاب الأثر الطيب والبصمات المضيئة في ميادين الخُلق والإبداع، وفي ساحات الوفاء والإخلاص للوطن، هم الذين يُسّطرون سيرة ومسيرة مشرقة، ويتركون أثرًا كريمًا في كل مكان ومنصب شغلوه. وعلى امتداد أربع سنوات، عمل الأستاذ الدكتور إسلام مسّاد ليل نهار من أجل رفعة مؤسسة وطنية عريقة، هي جامعة اليرموك، منارة العلم ومِحَج العلماء وطلاب العلم.
لقد أخلص الدكتور إسلام مسّاد وجدانه للعمل الجاد، متسلحًا برؤية ثاقبة واستراتيجية وطنية قلّ نظيرها، حاملاً همَّ إنقاذ الجامعة من المديونية التي أثقلت كاهلها، ما إستطاع إلى ذلك سبيلا، فتصدى للملف المالي واضعًا نصب عينيه الإصلاح الاقتصادي، وأسّس قواعد ومنصات للإصلاح المالي، وبدأ بتنفيذ إصلاحات بنيوية في الهيكل المالي والإداري لجامعة اليرموك، لم يجرؤ غيره على فتحها أو معالجة الخلل المتجذر في السياسات المالية، وفي موازاة ذلك حمل بين جنَبيه ملف التصنيفات العالمية ودعم البحث العلمي وتطوير وترميم البنية التحتية المتهالكة.لكن المفارقة حينما يتعمّد البعض حجب الحقائق خلف الضباب، ويُغلب الانطباع على البرهان، يصبح من الواجب العودة إلى التجربة ذاتها والحديث عنها بموضوعية وإنصاف. ومن هذا المنطلق، وبحكم القاعدة القائلة «أهل مكة أدرى بشعابها»، أجد لزامًا أن أصطف إلى جانب الحق والحقيقة، دفاعًا عن تجربة الأستاذ الدكتور إسلام مسّاد، رئيس جامعة اليرموك السابق، في مواجهة ما يُثار من لغطٍ ممزوج بالجحود والنكران تجاه إنجازات وضعت الجامعة على خارطة التصنيفات العالمية لأول مرة منذ تأسيسها، رغم ما واجهته من تضييق ومحاولات إضعاف متعمدة وممنهجة.لقد اجتهد بعض المسؤولين – مع الأسف – في ممارسة ضغوط مالية على الجامعة، لا بدافع الحرص على المصلحة العامة، بل نكايةً ومناكفة. وفي خضم هذه الأجواء الملبّدة، ظلّت الإدارة الجامعية تحاول التوازن بين التحديات والمتطلبات، غير أن المنتقدين لم ينظروا إلى الصورة الكاملة، بل واجهوا الحاكمية الجامعية بمنطق المثل الشعبي: «مفلوق لا تأكل، وصامد لا تفلق، وكُل حتى تشبع».ورغم تلك الضغوط، فإن الإنجازات الأكاديمية والعلمية في تلك المرحلة لا يمكن إنكارها؛ إذ شهدت الجامعة تأسيس كليات جديدة، واستحداث برامج نوعية على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، ما أتاح للطلبة فرصًا تعليمية أوسع تتواءم مع متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي. كما جرى تعزيز البحث العلمي عبر دعم المشاريع والأبحاث والنشر في مجلات عالمية، وهو ما انعكس في حضور الجامعة في التصنيفات العربية والدولية، مانحًا اسمها الأكاديمي علامة فارقة.إن مثل هذه الإنجازات لا تُقاس بسرعة ظهور نتائجها، فطبيعة العمل المؤسسي في الجامعات تراكمية الأثر والنتائج؛ إذ قد لا تُرى ثمارها لحظة إنجازها، لكنها تظهر لاحقًا على مستوى السمعة الأكاديمية، ومخرجات التعليم، وفرص الطلبة والخريجين. ومن الظلم الفادح أن يُختزل هذا الجهد الكبير في أحكام متسرعة أو اتهامات مغرضة تصدر عن بعض الأصوات الناشزة، التي لا ترى في التجربة إلا ما يوافق أهواءها.إن القراءة الموضوعية تكشف أن التحديات المالية لم تكن نتاج سوء إدارة، بقدر ما كانت انعكاسًا لضغوط مفروضة، بينما ظلّت الإدارة تعمل وفق رؤية استراتيجية واضحة. والإنصاف يقتضي التمييز بين من اجتهد لإبقاء الجامعة واقفة على قدميها، وبين من سعى إلى تشويه الصورة وحجب الحقائق.ومن هنا، فإن المسؤولية الأخلاقية والأكاديمية تقتضي أن نُنصف هذه التجربة، ونقيّمها بميزان النتائج والمؤشرات، لا بمزاجيات عابرة. فالجامعة أكبر من الأشخاص، والتاريخ أصدق من الأهواء، والنجاحات الأكاديمية ليست ملكًا لفرد، وإنما هي رصيد وطني يُبنى بالتراكم عبر الأجيال، ويستحق أن يُحفظ ويُصان.
البطاينة يكتب: لكل أثرٍ شكر.. قراءة في تجربة رئاسة جامعة اليرموك
مدار الساعة ـ