أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بلص يكتب: التوجيهي الجديد في الأردن.. قراءة قانونية ناقدة في ضوء الدستور وحقوق الطلبة


الدكتور هاشم احمد بلص

بلص يكتب: التوجيهي الجديد في الأردن.. قراءة قانونية ناقدة في ضوء الدستور وحقوق الطلبة

مدار الساعة ـ

شهد الأردن في السنوات الأخيرة سلسلة من الإصلاحات التعليمية كان أبرزها إقرار النظام الجديد للامتحان العام لشهادة الدراسة الثانوية (التوجيهي)، والذي يقسّم الطلبة إلى مسارات محدّدة، ويضعهم أمام خيارات أكاديمية إلزامية تؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم الجامعي والمهني. ورغم ما يرفعه هذا النظام من شعارات تتعلق بربط التعليم بسوق العمل وتحقيق العدالة في التقييم، إلا أنّه يثير إشكاليات قانونية ودستورية تتصل بحقوق الطلبة في التعليم، ومبدأ تكافؤ الفرص، وحماية حرية الاختيار الأكاديمي.

إن الدستور الأردني في المادة (6) يؤكد على مبدأ المساواة بين الأردنيين في الحقوق والواجبات، ويكفل مبدأ تكافؤ الفرص، إنّ فرض مسارات إلزامية على الطالب منذ المرحلة الثانوية دون مراعاة ميوله وقدراته يُعتبر تقييداً غير مبرر لحقه في التعليم العالي، ويمس بمبدأ المساواة، حيث يجد بعض الطلبة أنفسهم محصورين في تخصصات محددة لا تعكس طموحاتهم، مما يؤدي إلى انتهاك حقهم الدستوري في تكافؤ الفرص التعليمية.

النظام الجديد يؤدي عملياً إلى ضياع فرص على الطلبة، إذ أنّ الطالب الذي يُصنّف في مسار معيّن قد يُحرم من الالتحاق بتخصص جامعي يتوافق مع رغبته أو تميّزه في مادة ما خارج ذلك المسار، هذا الوضع يُنشئ حالة من التمييز السلبي بين الطلبة، ويقود إلى تعطيل مبدأ العدالة التعليمية، إذ يصبح مصير الطالب مرتبطاً بمسار إلزامي فُرض عليه بقرار إداري، لا بخياراته الحرة.

حيث يقوم النظام الجديد على التصنيف المسبق للطلبة إلى فئات ومسارات، لكنه يغفل عن التدرّج الطبيعي للفروق الفردية: الطالب المتميز، الطالب المتوسط، والطالب الضعيف، إنّ وضع هؤلاء في قوالب جامدة لا ينسجم مع فلسفة التعليم التي تقوم على رعاية القدرات الفردية وتنميتها، بل إنّ النظام الحالي قد يفاقم الفجوة، إذ يدفع الطالب الضعيف نحو مسارات محدودة تقلّل من فرصه في إثبات نفسه، بينما يحصر الطالب المتميز في خيارات محدّدة لا تعكس قدراته الشاملة.

لهذا نجد ان من أبرز المخاطر القانونية للنظام الجديد أنّه قد يُعزز الفوارق الاجتماعية بين الطلبة، حيث يصبح الطالب من خلفية اقتصادية قوية قادراً على تعويض القيود من خلال الدروس الخصوصية أو التعليم الموازي، بينما يبقى الطالب من بيئة متوسطة أو ضعيفة مرهوناً بالمسار الذي فُرض عليه، وهذا يُعدّ مساساً بمبدأ العدالة الاجتماعية الذي يُفترض أن التعليم العام ينهض بحمايته.

إنّ التوجيهي الجديد في صورته الحالية يثير إشكالات دستورية وقانونية جوهرية، أبرزها تقييد حرية الطالب في الاختيار الأكاديمي، وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص، وإغفال الفروق الفردية بين الطلبة، وإذا كان الهدف المعلن للنظام هو تحديث التعليم وربطه بسوق العمل، فإن الوسيلة التي تم اعتمادها لم تحقق العدالة، بل أوجدت قيوداً جديدة تُهدد مستقبل آلاف الطلبة، وعليه، فإن المصلحة الوطنية تقتضي إعادة النظر في هذا النظام، بما يضمن احترام الحقوق الدستورية، وتحقيق التوازن بين متطلبات سوق العمل وحق الطالب في التعليم وفق رغباته وقدراته.

إلى جانب الإشكالات الدستورية والحقوقية، يبرز تحدٍّ جوهري يتمثل في غياب الجاهزية المؤسسية والفنية لوزارة التربية والتعليم، فالبنية التحتية في كثير من المدارس ما تزال تعاني من نقص في التجهيزات التقنية والمختبرات المتخصصة، وهو ما يتعارض مع متطلبات المسارات الجديدة التي يفترض أن تركز على الجانب العملي والتطبيقي، كما أن نظام "البتيك" الذي يُعدّ من الركائز الأساسية في المنظومة الجديدة لم يُفعّل بالشكل الكافي، نظراً لغياب الكوادر المؤهلة والمدربة على تطبيقه، وإنّ ضعف إعداد المعلمين وعدم تزويدهم بالبرامج التدريبية الكافية يؤدي إلى إرباك العملية التعليمية، ويجعل النظام الجديد أقرب إلى تجربة غير مكتملة، قد تُلقي بآثار سلبية على مخرجات التعليم ومستوى كفاءة الخريجين.

مدار الساعة ـ