سلسلة مقالات بداية العام الدراسي - المقال الثاني:
1. مقدمةتشير الأدبيات التربوية الحديثة إلى أن نجاح العملية التعليمية لا يعتمد على المحتوى وحده، بل على جودة العلاقات الإنسانية داخل الصف الدراسي. فالعلاقة الإيجابية بين المعلّم وطلابه تمثّل حجر الأساس لبناء بيئة تعليمية محفِّزة، تُشعر المتعلّم بالأمان النفسي والانتماء، مما ينعكس على دافعيته للتحصيل الأكاديمي. وقد أكّد هاتي (Hattie, 2009) في تحليله التلوي أن العلاقة بين المعلّم والطالب من أقوى العوامل المؤثرة في تحصيل الطلبة مقارنة بعوامل أخرى.إن لحظة دخول الطالب الصف في أول يوم دراسي، وما يلقاه من استقبال دافئ، تترسّخ في ذاكرته أكثر من تفاصيل الخطة التعليمية، وتشكل مؤشرًا لما ستكون عليه تجربته المدرسية طوال العام.2. الأسس النظرية لبناء العلاقات الصفيةيمكن تفسير أهمية العلاقات الصفية الإيجابية بالاستناد إلى عدد من الأطر النظرية:نظرية التعلم الاجتماعي العاطفي (Social Emotional Learning): تبيّن أن دعم الطالب عاطفيًا يعزز من مهاراته في التعاون والتعاطف واتخاذ القرارات المسؤولة.البنائية الاجتماعية لفيغوتسكي: حيث يبرز دور التفاعل الاجتماعي في بناء المعرفة.هرم ماسلو للحاجات: إذ يُعدّ الإحساس بالانتماء والأمان النفسي شرطًا سابقًا لتحقيق التعلم الفعّال.3. مرتكزات عملية لبناء العلاقات الصفية التعارف وبناء الانتماء: من خلال أنشطة افتتاحية (بطاقة تعريف، مشاركة هدف شخصي)، بما يعزز الشعور بالهوية الجماعية. عقد القيم الصفية (Classroom Contract): إشراك الطلاب في وضع قواعد الصف، وهو ما يدعم مبدأ المسؤولية المشتركة. المناخ العاطفي الداعم: يظهر عبر ابتسامة المعلّم، نبرة صوته، وإنصاته النشط، مما يحقق الأمان النفسي الضروري للتعلّم. التغذية الراجعة الإيجابية: تعزيز السلوكيات المرغوبة علنًا، ومعالجة السلوكيات غير المناسبة بهدوء وسرّية. العدالة والاحترام: وهما أساس الثقة المتبادلة التي تعدّ شرطًا لتحقيق الانضباط الذاتي. الاهتمام الفردي: التذكّر المتعمد لاسم الطالب واهتماماته يُترجم إلى تقدير شخصي يعزز الانتماء. تمكين صوت الطالب: منح الفرصة للتعبير واقتراح الأنشطة يحقق مبدأ التمركز حول المتعلّم. الاحتفاء بالتنوع: اعتبار الاختلاف في الخلفيات والآراء إثراءً للتجربة التعليمية، لا تهديدًا لها.4. استراتيجيات صفية عملية? كرة الأسئلة: نشاط حركي يسهّل التعارف.✉ رسالة لنفسي بعد عام: تنمية الوعي بالذات والأهداف.? قصة من المعلّم: ربط الخبرات الشخصية بالقيم التربوية.? لوحة الإنجاز: تعزيز الانتماء من خلال الاعتراف بالنجاحات الصغيرة.? كرسي الصديق: تعزيز العلاقات الأفقية بين الزملاء.? دقيقة الامتنان: تدريب على التفكير الإيجابي.? يوم الطالب القائد: ترسيخ مهارات القيادة والمشاركة.5. خاتمة وتوصياتيتضح أن بناء العلاقات الصفية الإيجابية ليس نشاطًا جانبيًا أو ترفًا تربويًا، بل هو بنية تحتية أساسية لعملية التعلّم. فالمعلّم الناجح لا ينقل المعرفة فحسب، بل يصنع بيئة إنسانية آمنة تُحفّز العقول وتربط القلوب.ولذلك توصي الأدبيات التربوية بـ:إدماج موضوع العلاقات الصفية في برامج إعداد المعلّمين والتطوير المهني.تدريب المعلّمين على استراتيجيات التواصل العاطفي والإنصات الفعّال.تشجيع البحوث الميدانية العربية حول أثر العلاقات الصفية في التحصيل الأكاديمي والدافعية.فالطالب قد ينسى تفاصيل الدرس، لكنه لا ينسى أبدًا كيف جعله معلّمه يشعر: محترمًا، مقدَّرًا، وآمنًا. وهنا تكمن البصمة التربوية الممتدة.
البستنجي يكتب: بناء العلاقات الصفية الإيجابية – سرّ الانطلاقة الناجحة
مدار الساعة ـ