أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

أبو طرية يكتب: الدولة الفلسطينية بين الحلم والواقع


الدكتور راكان أبو طرية
أستاذ العلوم السياسية

أبو طرية يكتب: الدولة الفلسطينية بين الحلم والواقع

الدكتور راكان أبو طرية
الدكتور راكان أبو طرية
أستاذ العلوم السياسية
مدار الساعة ـ

تُعدّ القضية الفلسطينية إحدى أكثر القضايا استعصاءً في النظام الدولي المعاصر، حيث تتقاطع الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية والجيوسياسية في صياغة ملامحها. وبينما تؤكد قرارات الأمم المتحدة على "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"، ظلّ الواقع الميداني منذ عقود يعكس فجوة عميقة بين الشرعية الدولية والقدرة على التنفيذ. وفي هذا السياق، يطرح التساؤل حول إمكانية قيام دولة فلسطينية اليوم بين الحلم التاريخي والمعطيات الراهنة.

أولاً: القرار الأممي والاعتراف بالدولة الفلسطينية

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 القرار (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين. ورغم تعثر تطبيقه نتيجة الصراع العربي – الإسرائيلي، بقي مرجعاً أساسياً في الجدل الدولي. وتطور الموقف الأممي لاحقاً وصولاً إلى القرار الصادر في نوفمبر 2012، والذي منح فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو" بأغلبية 138 دولة، وهو ما عزز مكانتها القانونية على الصعيد الدولي.

منذ ذلك الحين ارتفع عدد الدول التي اعترفت رسمياً بدولة فلسطين إلى ما يزيد عن 140 دولة، بما يعكس تحوّلاً تدريجياً في ميزان الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية.

ثانياً: تداعيات حرب 7 أكتوبر على الاعتراف الدولي

شكّلت حرب 7 أكتوبر 2023 وما أعقبها من تصعيد عسكري واسع على قطاع غزة منعطفاً مهماً في إعادة إنتاج السردية الفلسطينية عالمياً. فقد تسببت الحرب وما رافقها من خسائر بشرية ومأساة إنسانية في إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية باعتبارها قضية حقوق إنسان وشرعية دولية، لا مجرد نزاع إقليمي. وعليه، سارعت بعض الدول الأوروبية – مثل إيرلندا وإسبانيا والنرويج – إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في 2024–2025، في خطوة عكست تأثير الرأي العام والضغط الأخلاقي على السياسات الخارجية الغربية، بالإضافة الى بعض الدول التي أعلنت نيتها الإعتراف بالدولة الفلسطينية في إجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة المزمع عقده في الأيام القليلة القادمة وعلى رأس هذه الدول بريطانيا وفرنسا صاحبتي قرار سايكس بيكو ووعد بلفور ، الأمر الذي يعد تطورا إيجابياً في المسار القانوني لقيام الدولة .

ثالثاً: الموقف الإسرائيلي والعقبات أمام التنفيذ

منذ صدور القرارات الأممية، تبنّت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة قائمة على الالتفاف والمماطلة، ويمكن تحديد أبرز العقبات كما يلي:

1 _ التوسع الاستيطاني:

كسياسة ممنهجة لتحويل الضفة الغربية إلى جزر متقطعة جغرافياً، تقوض أسس قيام دولة متواصلة.

2 _ رفض القدس الشرقية:

باعتبارها "عاصمة أبدية لإسرائيل" بما يتناقض مع أي تسوية قائمة على أساس حل الدولتين.

3 _ الإجراءات الأمنية والعسكرية:

تكريس السيطرة الميدانية عبر الحواجز والجدار العازل، ما يعمّق الفصل الديموغرافي والسياسي.

حيث تُعد حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة الأكثر رفضاً لإقامة دولة فلسطينية، كونها تتبنى خطاباً يقوم على "إدارة الصراع" بدلاً من حله، مع تعزيز الاستيطان وتقويض أي مبادرة تفاوضية.

رابعاً: بين الواقعية السياسية وإمكانات المستقبل

يطرح الواقع الحالي جملة من التساؤلات:

هل من الواقعية الحديث عن دولة فلسطينية في ظل غياب تيار سياسي إسرائيلي مؤمن بخيار السلام؟

هل يمكن تجاوز معضلة الاستيطان التي أفرغت الضفة الغربية من مضمونها الجغرافي؟

من جهة، يمنح الاعتراف الدولي المتنامي زخماً دبلوماسياً للقضية الفلسطينية. ومن جهة أخرى، فإن الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتوازن القوى المختل إقليمياً ودولياً، يعمّقان من صعوبة تحقيق الدولة في المدى المنظور.

خامساً: أثر ضمّ الضفة الغربية على إمكانية قيام الدولة الفلسطينية

يطرح مشروع الضمّ الذي تلوّح به الحكومة الإسرائيلية الحالية إشكالاً بنيوياً يتجاوز تعطيل “حلّ الدولتين” إلى إعادة تعريف الإطار القانوني والسياسي للنزاع. فالضمّ يقوّض الأساس الجغرافي لأي دولة فلسطينية متصلة، ويحوّل الكيانات الفلسطينية إلى جيوب معزولة بلا سيادة حقيقية. كما يكرّس واقع "الدولة الواحدة غير المتساوية"، حيث يعيش الفلسطينيون في نظام يفتقر إلى المساواة السياسية والحقوقية. وبذلك، فإن الضمّ لا يغلق الباب أمام التسوية السلمية فحسب، بل ينقل القضية إلى مستوى صراع على الحقوق داخل سيادة إسرائيلية واحدة مفروضة بالقوة.

سادساً: خيارات الاستجابة العربية

تواجه الدول العربية تحدياً استراتيجياً في التعامل مع مخطط الضمّ، وتملك جملة من الأدوات المتدرجة في الكلفة والجدوى:

1 ـ قانونياً ودبلوماسياً:

يجب دعم الموقف الفلسطيني في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وتعزيز سياسة "عدم الاعتراف" بأي إجراءات ضمّ، إلى جانب الدفع نحو استكمال الاعترافات الدولية بدولة فلسطين.

2 ـ سياسياً:

يجب ربط أي مسارات تطبيع أو تعاون إقليمي بوقف الاستيطان وتجميد مخطط الضمّ، وتنسيق المواقف مع الاتحاد الأوروبي والقوى الدولية الفاعلة.

3 ـ اقتصادياً وتنموياً:

يجب دعم صمود الفلسطينيين عبر الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية، وتعزيز سلاسل الإمدادات الفلسطينية بعيداً عن المستوطنات.

4 ـ إنسانياً وأمنياً:

يجب توفير الدعم العاجل للمدنيين الفلسطينيين، وتفعيل أدوات المراقبة والضغط لمنع تهجير السكان أو فرض وقائع ميدانية جديدة.

هذه الخيارات تتيح للدول العربية مواجهة مشروع الضمّ بطريقة تراكمية وواقعية، تجعل كلفته السياسية والاقتصادية والقانونية أكبر من جدواه بالنسبة لإسرائيل.

وفي الختام فإن التباين بين الشرعية الأممية والواقع الميداني يبقي مشروع الدولة الفلسطينية معلقاً. فالإطار الدولي بات داعماً بقوة لحق الفلسطينيين في الدولة، إلا أن العقبات الإسرائيلية البنيوية، والانقسام الفلسطيني، وغياب شريك إسرائيلي مستعد للسلام، تجعل هذا الحلم مؤجلاً. ومع ذلك، فإن تراكم الاعترافات الدولية، وازدياد الضغط الشعبي العالمي، وقدرة الدول العربية على بلورة استراتيجية متماسكة، قد تشكل جميعها عناصر تحريك للمشهد في المستقبل، وتفتح نافذة لإعادة إحياء حلم الدولة الفلسطينية متى ما توافرت الإرادة السياسية والظروف المناسبة.

مدار الساعة ـ