في زمن اختلطت فيه معايير التقدّم، وغاب فيه الضمير تحت ضجيج الآلة وسطوة الأرقام، وقفت الملكة رانيا العبدالله شامخة على منصة مؤتمر سيغلو في المكسيك، لتعيد للعالم صوته الأخلاقي الغائب. لم يكن خطابها بروتوكولًا دبلوماسيًا بارداً، بل كان صرخة ضمير إنساني حقيقي تحمل توقيع الأردن الأصيل، البلد الذي ما باع موقفه يومًا، ولا خضع لابتزاز سياسي على حساب الحق.
الملكة رانيا لم تخاطب النخبة المنعزلة، بل وجّهت كلماتها للبشرية جمعاء: رفضت أن يكون التقدّم مرادفاً للأبراج الشاهقة والشركات العملاقة، وأكدت أن لا معنى لأي إنجاز إذا كانت المستشفيات تُقصف، والأطفال يُجوّعون، والمنازل تُسوى بالأرض، كما يحدث اليوم في غزة. ومن قلب المكسيك، حملت وجع الفلسطينيين، وأرسلت رسالة واضحة: “الأردن لا يساوم على موقفه الأخلاقي، ولن يقف متفرجًا على مأساة تتكرر أمام أعين العالم.خطاب الملكة لم يكن مجرد توصيف للكارثة، بل محاولة جريئة لإعادة تعريف مفهوم التقدّم نفسه. قالتها بوضوح: “التقدّم لا يُقاس بما نصنع، بل بما نصون. لا يُقاس بما نملك، بل بما نحمي” في عالم يلهث خلف ذكاء اصطناعي بلا قلب وابتكارات لا تعرف الرحمة، جاء صوت الأردن ليذكّر أن الأمة التي تفقد إنسانيتها، مهما بلغت من قوّة، إنما تتجه نحو سقوط أخلاقي قبل أي شيء آخر.وفي زمنٍكثرت فيه الأصوات المترددة والمواقف الرمادية، اختارت الملكة رانيا أن تكون صوتًا واضحًا لا يرتجف أمام الحقيقة. كلماتها لم تكن مجرد خطاب عاطفي، بل تجسيد لإرث الهاشميين في الدفاع عن المظلومين ونصرة القضايا العادلة. من منصة بعيدة آلاف الأميال، أثبتت أن صوت الأردن يصل حيث يجب أن يصل، وأنه مهما حاول البعض إخماده، فإنه سيبقى حاضرًا، جريئًا، وشاهدًا على الحق. لقد حمّلت رسالتها ضمير العالم، وكأنها تقول: “إن صمتَت المنابر، سيظل في الأردن من يصرخ باسم الإنسانية.”هذا الخطاب هو تجسيد لرسالة عمان التي لا تتبدل: الإنسانية أولًا، والكرامة فوق كل اعتبار، والأردن حاضر في كل منبر عالمي لا ليستجدي التصفيق، بل ليذكّر العالم بما نسيه: أن الضمير البشري ليس رفاهية، بل هو أساس بقاء الأمم.
القرالة يكتب: صرخة الحق من قلب المكسيك.. الملكة رانيا العبدالله تهز ضمير العالم
مدار الساعة ـ