ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدرًا؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أينما كُنتُم، وحيثما بِنتُم، نتذاكر سويًّا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأنٍ ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذَّهب، عجلون الحُبِّ والعتب؛ لنطوف العالم بشذراتنا، راجيًا أن تستمتعوا بها.عندما تقول الحق وتجافي الحقيقةدفعني للكتابة في هذه الموضوع منشوراً كتبته إحدى طالباتي المبدعات المتميزات، من اللواتي لا يشق لهن غبار في مجالهن العلمي، وإدارتهم المتميزة، فقد نشرت على صفحتها منشوراً بعنوان (لاتضيعوا سنواتكم للحصول على الدكتوراة فقد فات الأوان)، وهي فميا نشرت تقول الحق، لكنها تجانب وتجافي الحقيقة القائمة في بلادنا.سامحك الله أيتها الإنسانة الخبيرة، والكفاءة التي عزّ نظيرها؛ نعم إنك تقولين الحق، وإن خبراتك وكفاءتك هي كفاءة مدير عام مخلص في عمله، وأهل لمنصبه – على رأي الإعلامي وميلك في الدراسة- هذا الكلام يتم تطبيقه عند أهل جوجل، وفي بلادهم التي تحترم الخبرات والكفاءات، ولهذا يعد كلاما صحيحا، ولكن في بلاد العرب أوطاني... اذا ما فيه معك كرتونة مكتوب عليها دكتوراة، فإنه يوجد من يكيل بميزانك، هذه ثقافة شعوب، وليس أمراً عارضاً على بلادنا وأوطاننا، وكل جامعاتنا في معظم دول العالم العربي. احترام الخبرات والكفاءات قبل الشهاداتفي بلاد الغرب لا يشترطون عليك حصول شهادة الدكتوراة حتى تصبح برفسور وتقود الإدارات والجامعات، خبراتك العملية تجعلك برفسور وخبير في مجالك دون الحاجة لأن يقترن اسمك (بداء)، عفواً بـ (د.). ولذلك يلجأ كثيرون في بلادنا ومن بني جلدتنا، ممن لديهم عقدة النقص تجاه الشهادات وأصحابها، وتجاه الكفاءات، لشراء كرتونة مكتوب عليها هذه العبارة حتى يكملوا النقص في أنفسهم، وفي الثقافة السائدة التي تمجد هذا النقص.بورك في علمك وصحتك أخي وزميلي أبو عامر، مهندس ميكانيك سيارات، كان مع بداية تسعينيات القرن الفارط؛ يصطف تلامذته من حوله كي ينهلوا من نعيم خبراته وكفاءاته، وهو يعلمهم بإخلاص هذه الصنعة، وهو يحمل فقط درجة الدبلوم في ميكانيك السيارت، ويشهد الله أن بعض حَمَلَة الدكتوراة في حينه كانوا يقفون صفاً واحدا مع الطلبة، ينظرون إليه وهو يتفنن في أداء عمله، لمثله ترفع القبعات، ولمثل إخلاص تتواصل الدعوات أن يبارك فيهم، مثل هذا لو كان في بلاد الغرب لتبوأ أعلى مرتبة في أشهر مصانع السيارت العالمية، ولكن بجرة قلم تم نقله من قبل وزير غاضب إلى مكان آخر....للجزائر ترفع القبعات فيها ترتفع الهاماتلعل الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي تحترم كفاءاتها وجامعاتها ومعاييرها ومجلاتها هي الجزائر، حيث تضع جامعاتها معايير جزائريية خاصة بها، ولديها تصنيفات في المجلات والتحكيم والنشر، ولديها جامعات يدرس الطالب فيها من مستوى الحضانة (KG1-KG2)، وحتى درجة الدكتوراة مجانا، ولذلك ليس لدى أساتذتهم ولا لدى شعوبهم عقدة النقص؛ هذه لأن كل شخص يستطيع الوصول إليها، فقط ما يحتاجه هو جهده الشخصي، وجودة العمل الذي يقدمه.كل الجامعات الجزائرية تكاد يكون لديها مؤتمر دولي عام، يجلب إليه الباحثين الراغبين بالمشاركة من كل أصقاع العالم، كي يقدموا إسهاماتهم العلمية، وتتلاقح أفكارهم، ولم تمنعهم الجائحة العالمية كورونا عن السير قدماً في عقد المؤتمرات إلكترونيا وقت -المسرحية العالمية- كورونان، وكنا نشارك في مؤتمراتهم عبر منصة (ZOOM) من كل أرجاء الوطن العربي. هل هو استعمار، أم است ... ثقافي؟أما على الصعيد الأكاديمي والجامعي في القطاعين الرسمي قبل الخاص في معظم الدول العربية؛ فإنه ما تزال هناك عقدة النقص تطارد إداراتها وعلمائها...، أو أن يكون غير ذلك...؟! فإذا رغب الباحث بنشر بحثٍ في تخصصه؛ فإن إداراتنا الأكاديمية تفضل ألف مرة بحثاً منشوراً في مجلة سكوبس مدفوعة الأجر ببضع مئات من الدولارات على بحث منشور في أعرق الجامعات العربية، التي يمتد وجودها إلى الآف السنين قبل أن يكون في بلاد سكوبس حضارة ولا دول قائمة، وقبل أن يكون لديها مدارس ولا وجود للجامعات فيها، حتى لو كان بحثاً مختلساً، المهم أن يكون منشوراً في سكوبس وغيره من قواعد البيانات الغربية ذات الصبغة التجارية. ولذلك تعج صفحات ومنصات التواصل الاجتماعي بإعلانات من مختلف دول العالم تنادي الباحثين، وتخطب ودهم لنشر أبحاثهم في مجلات ذات تأثير عالٍ وفي غضون أسابيع، أو أشهر، السرعة في النشر تعتمد على مقدار دفع الرسوم، وهذا هو المرض الخبيث – السرطان – الذي ينخر في عديد المجالات العلمية في أوقاتنا: (إلى أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا، ننشر أبحاثكم في المجلات العالمية المحكمة في سكوبس وكلاريفيت...).الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدينيستطيع الذكاء الاصطناعي الذي نقوم بتمجيده الآن أن يتدخل ويغير بعض المصطلحات والعبارات والفقرات، ليغير هيئة بحثٍ ما وصيغته ويجعله بحثاً مقبولاً لدى جامعاتنا العربية كبحث أصيل، يتفق مع ثقافتنا الأصيلة التي تعتقد أن كل فرنجي برنجي؛ ويحقق الاستعمار الثقافي الذي تعاني منه أنفسنا العربية. فالذكاء الصناعي (الاصطناعي) هو من صنع البشر وهو يقدم ما يزوده به البشر، الحلول المبتكرة عنده بناء على معلومات مسبقة، وبرامج يزوده بها بني البشر، لا شك أن له فوائد كبيرة، ولكنه ليس الحل الأخير ولا هو بالحل الأمثل، إنَّما صنع الكفاءات والمبتكرين، وتشجيعهم ودعمهم ووضعهم بمكانتهم التي يستحقونها، هو الأولى والأجدر.
القضاة يكتب: شذرات عجلونية (59)

الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني
أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني
مدار الساعة ـ