أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات دين اخبار خفيفة رياضة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مساعدة يكتب: الأردن.. الثقب الأسود


جهاد مساعدة

مساعدة يكتب: الأردن.. الثقب الأسود

مدار الساعة ـ

منذ نشأته، والأردن هدفٌ للمؤامرات وحملات التضليل. لكن كل سهمٍ يُرمى عليه يتحول إلى شهادةٍ على صلابته. إنه الثقب الأسود الذي يبتلع الأكاذيب وصانعيها معًا، ويبقى واقفًا في قلب العاصفة.

في كل مرة ظنّ خصوم الأردن أن هذه الدولة أصغر من أن تصمد، خرجت التجربة لتقول العكس. من حرب عام 1967 التي كان مسرحها أطول من قدراته، إلى حصار 1990 الذي امتحن اقتصاده، إلى موجات الربيع العربي وما رافقها من عواصف، ظل الأردن حاضرًا في قلب المعادلة، لا ينكسر ولا يتراجع.

الإشاعة لم تكن يومًا غريبة عن هذا البلد، لكنها اليوم أصبحت أداة ممنهجة: صفحات تُدار من وراء البحار، عناوين تُكتب في الظلام، مقالات مأجورة تتزين بثوب الوطنية، وهي في حقيقتها طعنات مدفوعة الثمن. يعرف الأردني أن الخبر الكاذب محاولة لضرب الثقة وتشويه المواقف وإضعاف المناعة الوطنية.

الأردن تعلّم أن يتعامل مع الإشاعة كما يتعامل الجندي مع الرصاصة: لا يكتفي بصدّها، بل يبحث عن مطلقها. لذلك تُقرأ الشائعة باعتبارها جزءًا من معركة أكبر، يتداخل فيها الإعلام بالسياسة، وتتقاطع فيها مصالح الخارج مع ضعف بعض النفوس المريضة في الداخل.

ورغم محدودية موارده، يملك الأردن ما هو أثمن: إرادة البقاء. تلك الإرادة التي جعلته يتعامل مع الحروب والحصار الاقتصادي بصبر الشعوب الكبيرة، وحوّلته إلى ثقب أسود يبتلع المؤامرات بما فيها من حقد وضغائن، فلا يخرج منها شيء.

إن سرّ قوة الأردن يكمن في معادلة دقيقة: ملكٌ حكيم يمسك الدفّة في أصعب اللحظات، شعبٌ صبور يرفض الانكسار، ومؤسسات تدرك أن البقاء مرهون بالتماسك لا بالتناحر.

المؤامرة لا تأتي من الخارج وحده، بل تجد صداها عند من يردّدون الإشاعة كما لو كانت حقيقة، ويمنحونها أرجلًا تركض بها بين الناس. هؤلاء هم الثغرة الأخطر، لأنهم يحوّلون الوهم إلى واقع، والسمّ إلى غذاء يومي.

ومواجهة ذلك لا تكون بالإنكار وحده، بل بوعي متماسك وحصانة فكرية تجعل المواطن شريكًا في المواجهة لا ضحية لها. فالكلمة مسؤولية، والمعلومة إذا لم تُفحص تتحول إلى خيانة، والعقل إذا عُطّل صار هو ذاته الثقب الأسود الذي يبتلع صاحبه.

التاريخ القريب شاهد: كل من راهن على سقوط الأردن خسر، وكل من حاول أن يفرض عليه مسارًا بالقوة تراجع. أما الأردن فبقي، ليس لأنه الأقوى سلاحًا أو الأوفر مالًا، بل لأنه الأشد تمسكًا بحقه في الحياة، وبقيمه التي جعلت منه نقطة ارتكاز في منطقة متقلبة.

الأردن لا يسقط، بل يُسقط من يتآمر عليه.

مدار الساعة ـ