أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات دين بنوك وشركات رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

اليماني تكتب: ذكرى المولد النبوي الشريف والواقع الحالي


د. مريم علي اليماني
كاتبة وباحثة في الفلسفة العملية

اليماني تكتب: ذكرى المولد النبوي الشريف والواقع الحالي

د. مريم علي  اليماني
د. مريم علي اليماني
كاتبة وباحثة في الفلسفة العملية
مدار الساعة ـ

المولد النبوي الشريف ليس مجرد ذكرى تاريخية نمرّ بها كل عام، بل هو محطة نورانية تعيد للأمة وعيها، وتُذَكِّرها بالمصدر الأول للرحمة والهداية. ففي مثل هذا اليوم وُلد محمد ﷺ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ليحرر الإنسان من عبودية الهوى، ويُخرجه من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان.

غير أنّ التأمل في واقعنا الحالي يكشف لنا كم نحن بحاجة إلى العودة إلى مدرسة النبي ﷺ، لا كحكاية تُروى أو احتفال يزيَّن بالأنوار والأهازيج، بل كمنهاج حياة يوجّه خطانا. لقد علّمنا النبي أنّ الرسالة أعظم من المظاهر، وأن الإصلاح يبدأ من النفس، ثم يمتد إلى المجتمع، وأن الأخلاق هي جوهر الرسالة، لا مجرد شعارات.

في زماننا هذا، حيث تتزاحم الصراعات، وتتصاعد أصوات الفتن، وتتفتت أوطان بأيدي أبنائها، يظلّ المولد النبوي صرخة تذكير: أنَّ محمداً ﷺ لو كان بيننا لعلّمنا كيف نحمل همّ الأمة قبل همّ الذات، وكيف نصون الكلمة من الكذب والغيبة، وكيف نُقيم العدل وننشر السلام. إنَّ قيمه لم تكن نظريّات جامدة، بل واقعاً معاشاً: فهو من أطفأ نار العصبيات، وأسس دولة على العدل والإخاء، لا على الدم والنسب.

ولعلّ أعظم ما نفتقده اليوم هو روح الرحمة التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

فإذا كان الإسلام قد انتشر بالرحمة والقدوة، فكيف يُشوَّه اليوم بالعنف والفرقة؟ وإذا كان النبي ﷺ قد جمع القلوب على كلمة سواء، فكيف أصبحنا نتناحر باسم الدين ذاته؟

إنّ المولد النبوي اليوم فرصة لمراجعة النفس: هل نحن أقرب إلى سنته أم أبعد؟ هل نُحيي سيرته في معاملاتنا وأخلاقنا، أم نكتفي بالاحتفال الشكلي؟

فالاحتفال الحقيقي هو أن نعيد إلى واقعنا صدق النبي، وعدله، ورحمته، وأمانته. أن نرتقي بأخلاقنا قبل كلماتنا، ونُقيم في حياتنا ما أقامه هو في مكة والمدينة: أمة متماسكة، متراحمة، شاهدة على الناس.

وفي زمنٍ يموج بالتحديات، فإنّ المولد النبوي ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو دعوة متجددة لإحياء الرسالة التي وُلد من أجلها محمد ﷺ: رسالة بناء الإنسان قبل العمران، وصناعة الأمل قبل القوة، ونشر العدل قبل السلطان.

مدار الساعة ـ