مدار الساعة -تشهد تكاليف الاقتراض طويلة الأجل حول العالم ضغوطاً متجددة، إذ يعزو محللون ذلك جزئياً إلى حالة القلق الواسعة لدى المستثمرين تجاه مسار السياسات المالية والنقدية في عدد من الاقتصادات الكبرى.
وقد مرّت أسواق السندات بتقلبات حادة هذا العام، مع تسجيل ارتفاعات وانخفاضات كبيرة، كان بعضها مدفوعاً بسياسات البيت الأبيض، بدءاً من الرسوم الجمركية وصولاً إلى المخاوف بشأن العجز الأمريكي المرتبط بـ«قانون الضرائب الكبير والجميل».ورغم أن التحركات بدت أكثر هدوءاً هذا الأسبوع، فإن عوائد عدة سندات سجّلت مستويات بارزة أعادت إلى الواجهة النقاش حول الفرص والمخاطر في سوق الدَين الحكومي، بحسب CNBC.أرقام قياسيةفقد ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاماً متجاوزاً 5% للمرة الأولى منذ يوليو، وسط تساؤلات بشأن مستقبل إيرادات الرسوم الجمركية بعد حكم قضائي أخير.وفي اليابان، بلغ العائد على السندات الحكومية لأجل 30 عاماً مستوى قياسياً، مع صعود بمقدار 100 نقطة أساس منذ بداية العام مدفوعاً بارتفاع التضخم، وضعف العوائد الحقيقية، والضبابية السياسية.وسجّل العائد على السندات البريطانية لأجل 30 عاماً، أعلى مستوى له منذ عام 1998، قبيل الميزانية المنتظرة التي ستُعلن خلال الأشهر المقبلة، مضيفاً 4 نقاط أساس إضافية في تعاملات صباح الأربعاء.وفي فرنسا، اخترق العائد على السندات لأجل 30 عاماً مستوى لم يُسجّل منذ عام 2008، مع اقتراب الحكومة من الانهيار، ما يهدّد خططها لخفض العجز المالي.أما السندات الألمانية، التي استفادت في وقت سابق من العام من موجة لجوء المستثمرين إلى الأصول الآمنة، فقد لحقت بالاتجاه الصعودي، حيث صعد عائد السندات (البوند) لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوى له منذ 14 عاماً.كما ارتفع عائد السندات الإسبانية لأجل 30 عاماً بمقدار 5 نقاط أساس ليصل إلى 4.29%، بعد أن بلغ 4.297%، وهو أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2023.وبلغ عائد السندات الإيطالية لأجل 30 عاماً أعلى مستوى له منذ أبريل عند 4.661%.مشكلة اقتصادية مشتركةقال كالوم بيكيرينغ، كبير الاقتصاديين في شركة «بيل هانت»، إن الأسواق ليست في أزمة سندات حالياً، غير أن الأسعار المرتفعة التي تتحملها الحكومات للاقتراض، مقترنةً بمعدلات الفائدة المرتفعة، تمثل مشكلة اقتصادية مشتركة عبر الاقتصادات المتقدمة.وأوضح بيكيرينغ: «معدلات الفائدة المرتفعة تقيد خيارات السياسات، وتزاحم الاستثمارات الخاصة، وتتركنا نتساءل كل ستة أشهر عمّا إذا كنا سنواجه موجة جديدة من الاضطراب المالي. هذه أمور شديدة السلبية بالنسبة للقطاع الخاص».وأضاف: «أصل الآن إلى قناعة بأن التقشف قد يكون محفزاً للنشاط الاقتصادي، لأنه سيمنح الأسواق ثقة، ويؤدي إلى تراجع عوائد السندات، ما يتيح للقطاع الخاص أن يتنفس الصعداء ويبدأ توظيف قوته المالية».أسباب ارتفاع العوائد طويلة الأجلمن جانبه، قال يوناس غولترمان، نائب كبير خبراء أسواق المال في «كابيتال إيكونوميكس»، إن هناك ثلاثة عوامل متداخلة وراء الارتفاع العالمي في العوائد طويلة الأجل: المخاوف المالية، والسياسة النقدية، وعلاوات الأجل المرتبطة بعوامل العرض والطلب.وأشار غولترمان إلى أن كلّاً من بريطانيا وفرنسا تواجهان «معادلة مالية صعبة»، حيث يتطلب الأمر مزيجاً من زيادة الضرائب وخفض الإنفاق للحفاظ على استدامة المالية العامة وكسب ثقة أسواق السندات.وفي الوقت ذاته، لفت إلى أن ديناميكيات السوق تعكس تراجع الثقة بقدرة البنوك المركزية واستعدادها للسيطرة على التضخم في الأجل المتوسط، رغم ملاحظة صمود نسبي لعوائد السندات الأمريكية، في وقت تتفاقم فيه المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي هناك.تراجع الطلبقال يوناس غولترمان إن تزايد إصدارات السندات يقابله في الوقت نفسه تراجع في الطلب من المشترين التقليديين للديون طويلة الأجل، وهو ما يعود جزئياً إلى مخاطر ارتفاع الفائدة والتضخم، إضافة إلى ضعف الرابط التقليدي بين «مزاج العزوف عن المخاطر» وتراجع العوائد. وأوضح أن هذه العوامل تجعل من المستبعد ظهور «حل سحري» قادر على دفع العوائد نحو الهبوط.وأضاف غولترمان إن الصلة المعتادة بين تجنب المخاطر وانخفاض عوائد السندات قد تآكلت هذا العام، فيما يواصل المتعاملون الموازنة بين احتمالات بقاء الفائدة مرتفعة وضغوط التضخم.حالة عدم اليقينمن جانبهم، قلّل محللو «آي إن جي» من شأن فكرة أن موجة بيع السندات هذا الأسبوع جاءت مدفوعة بحالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية في أمريكا، عقب قرار محكمة استئناف اعتبر أن معظم الرسوم التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على واردات من دول أخرى غير قانونية.وقال المحللون في مذكرة: «لا توجد حالة عدم يقين، فالرسوم لا تزال قائمة وستبقى»، واصفين إدارة ترامب بأنها «ماضية بالكامل في إدارة الاقتصاد الكلي عبر الرسوم الجمركية، بأي وسيلة كانت».وأضافوا إن «الأطراف البعيدة من منحنيات العوائد لا تزال تحت ضغط صعودي بفعل مزيج من المخاوف المالية والتساؤلات حول استقلالية البنوك المركزية»، وخصوصاً في أعقاب ما يُعرف بـ«قضية ليزا كوك» في إشارة إلى مساعي ترامب المستمرة لإقالة عضو مجلس محافظي الفدرالي.وأشاروا إلى أن «الجهة المسيطرة على حركة السوق في أي يوم تبدو مرتبطة بنشاط الإصدارات» في إشارة إلى تأثير حجم طرح السندات في اتجاهات العوائد.'موجة بيع' عالمية تضرب أسواق السندات

مدار الساعة ـ