"إربد لا تحتضن الأرض وحدها، بل تحتضن قلوبًا صغيرة تنبض بالحياة."
في إربد، حيث تتعانق الحقول مع السماء، وتتناثر البيوت على سفوح الذاكرة، تقف مبرة الملك حسين الخيرية للأيتام كغيمةٍ بيضاء تسقي أرواحًا عطشى إلى الحنان. ليست حجارةً صامتة ولا جدرانًا باردة، بل هي قلبٌ نابض بالرحمة، وبيتٌ يسكنه الدفء وإن غاب عنه الأبوان."اليتيم لا يحتاج إلى دمعة تُذرف، بل إلى يد تمسك بيده حتى يصل."منذ أن أُسِّست عام 1956، وهي تحمل على كاهلها رسالة تشبه الشمس: أن تضيء قلوب الأيتام، أن تمنحهم الدفء في ليالي الوحدة، وأن تزرع في وجوههم ابتسامات بحجم وطن. في ممراتها لا يسمع صدى الخسارة، بل صدى خطوات صغيرة تتعلّم أن للحياة وجهًا أجمل، وللمستقبل جناحين من أمل."في المبرة يتعلم الطفل أن الوطن ليس أرضًا فقط، بل قلبًا يحتضنه."هنا، لا يقتصر العطاء على لقمة مشبعة أو ثوب يستر الجسد، بل يمتد ليصوغ إنسانًا جديدًا. تُقدَّم الرعاية في ثوبها الأجمل: غذاء للنفس، دواء للجسد، علم للعقل، وحنان يداوي الفراغ. هي يد تمسح دمعة، وأخرى تكتب على جبين اليتيم: "لست وحدك… هذا الوطن بيتك.""المبرة ليست جدرانًا، بل أجنحة تصنع للأطفال سماءً أوسع."وما أجمل أن تتحوّل المبرة إلى جسر يعبر به اليتيم نحو غده؛ فهي لا تترك أبناءها عند أبوابها، بل ترافقهم حتى يكتمل المشوار، وتشدّ على أيديهم في الجامعات وأروقة الحياة، لتقول لهم: "أنتم أبناء الحياة، لا ضحاياها.""حين نمسح دمعة يتيم، نكتب سطرًا جديدًا في كتاب الرحمة."إنها ليست مؤسسة خيرية وحسب، بل قصيدة عطاء تُتلى على مسامع الزمن، وحكاية وفاء كتبها الحسين الباني – رحمه الله – لتبقى شاهدة على أن الأردن لا ينسى أبناءه. هي ذاكرة من ذهب، ومنارة من نور، وبيت من حب، يعلّمنا أن اليُتم ليس نهاية القصة، بل بداية فصل جديد تُسطّره الإرادة ويكتبه الأمل."الأيتام براعم صغيرة، إن سقيناها بالحب أثمرت أوطانًا وارفة الظلال."فلنكن جميعًا جزءًا من هذه الحكاية، ولنمدّ قلوبنا قبل أيدينا نحو هؤلاء الصغار. فما قيمة وطن لا يحضن أبناءه؟ وما جمال الحياة إن لم تُظلّلها رحمة؟ كل بسمة طفل يتيم تُرسم هناك، هي في الحقيقة شمس تشرق على المجتمع بأسره، وكل يد تُربّت على كتف صغير منهم، إنما تبني جدارًا من الطمأنينة في قلب الوطن.
العايش تكتب: حين يحتضن الوطن أبناءه.. حكاية مبرة الملك حسين

رندا سليمان العايش
مستشارة تربوية
مستشارة تربوية
مدار الساعة ـ