إلى القامة الوطنية المقدَّرة الأستاذ عساف الشوبكي،
الحوار معك ليس جديدًا، ولا يخرج عن سياقك المعروف بالحرص على الوطن والتقاط مواطن الخلل في مسيرته العامة. غير أن النقاش حول الأحزاب السياسية وتجربتها الراهنة يحتاج إلى مقاربة أعمق، تضع الأمور في سياقها الزمني والسياسي، بعيدًا عن الحكم القطعي المبكر.الحياة الحزبية في الأردن لم تُمنح بعد فرصتها الكاملة، فهي ابنة التشريعات الحديثة التي صدرت عام 2022، وجاءت ثمرةً لعمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. من غير المنطقي أن نُحاكم تجربة في طور التأسيس وكأنها اكتملت؛ فالتاريخ السياسي يعلمنا أن الأحزاب لا تُبنى بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى وقت كي تتشكل هياكلها، وتنغرس في المجتمع، وتنتج برامج قادرة على التأثير. إن التقييم الحقيقي سيكون في التجارب القادمة، لا في التجربة الأولى التي لم تستكمل بعد دورتها الطبيعية.ثم إن للأردن خصوصية سياسية لا تخفى، حيث يشكّل المستقلون من النخب السياسية والاجتماعية كتلة أوسع من تلك المنخرطة في الأحزاب. وهذا يفرض واجبًا مضاعفًا عليهم، إذ لا يكفي الاكتفاء بدور المراقب أو الناقد من الخارج، بل من الضروري أن يتقدّموا لتشكيل تيار سياسي برامجي وازن، قادر على التفاعل مع القواعد الاجتماعية وتحويلها إلى رافعة للعمل السياسي المنظم. من دون هذا التلاقي بين المستقلين والحزبيين سيظل المشهد ناقصًا، ولن يتكوّن التوازن الذي تحتاجه البلاد.أما القائمة الحزبية التي أقرّها قانون الانتخاب الجديد، فهي لم تُطرح باعتبارها “كوتا” تمنح امتيازًا غير عادل، بل بوصفها آلية لتصحيح الخلل في بنية التمثيل النيابي. لقد ظلّ البرلمان الأردني لعقود رهين التمثيل الفردي، المرتكز على القواعد الاجتماعية فقط، وهو ما همّش البعد البرامجي وأضعف الدور الرقابي والتشريعي. القائمة الحزبية إذن هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تفتح الباب أمام برلمان أكثر توازنًا، تُطرح فيه الأفكار والبرامج، إلى جانب التمثيل الاجتماعي التقليدي. هذه ليست نهاية الطريق، بل بدايته نحو حكومات برلمانية حزبية تتكئ على برامج واضحة ومسؤوليات محددة.إن التحديات الإقليمية المحيطة، وما تفرضه من ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية، تجعل من التحديث السياسي ضرورة وطنية. فالمشهد الداخلي لن يكون صلبًا وقادرًا على الاستجابة لتلك الضغوط إلا إذا تأسس على حياة سياسية مؤسسية، تتسع لجميع المكونات، وتمنح الشباب والنساء موقعًا في صنع القرار، وتضمن توازنًا بين الفردي والبرامجي، وبين القواعد الاجتماعية ومتطلبات الدولة الحديثة.الخيار اليوم أمامنا ليس بين أحزاب ناجحة أو فاشلة، بل بين الإصرار على استكمال التجربة وتطويرها، أو العودة إلى مربع الفراغ السياسي حيث تغيب البرامج ويضعف الفعل المؤسسي. التجارب السياسية لا تُقاس بنجاحاتها الأولى، وإنما بما تراكَم فيها من خبرة، وما أنتجته من مؤسسات راسخة قادرة على الاستمرار.وعليه، فإن التجربة الحزبية في الأردن ليست شأنًا للأحزاب وحدها، بل مشروع دولة بأكملها. ومن يملك الصبر والإرادة على رعايتها سيدرك أنها مفتاح العبور إلى المستقبل بثبات، وأنها الضمانة لسلامة القرار الوطني وسط إقليم يموج بالتحولات والتحديات.مع خالص التقدير لمكانتكم الوطنية والفكرية،
الحسبان يكتب: الحياة الحزبية وقانون الانتخاب مشروع دولة لا تجربة عابرة.. حوار مع سعادة د. عساف الشوبكي
فهد الحسبان
الحسبان يكتب: الحياة الحزبية وقانون الانتخاب مشروع دولة لا تجربة عابرة.. حوار مع سعادة د. عساف الشوبكي
مدار الساعة ـ