أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين مجتمع أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مستثمرون الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات جامعات بنوك وشركات دين رياضة ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

العشي يكتب: الإعلام الأردني بين الحقيقة والسرعة.. معركة ضد الأخبار الزائفة


الدكتور محمد العشي

العشي يكتب: الإعلام الأردني بين الحقيقة والسرعة.. معركة ضد الأخبار الزائفة

مدار الساعة ـ

في عصر السرعة الرقمية، أصبح الإعلام هو العين التي ترى العالم، والأذن التي تسمع صدى الأحداث. لكن، مع كل خبر ينشر في ثوانٍ، يبرز سؤال جوهري: هل يبقى الإعلام الأردني قادرًا على نقل الحقيقة أم أنه غارق في سباق السرعة الذي يهدد مصداقيته؟

الثورة الرقمية والتحدي الجديد

قبل عقدين، كانت الأخبار تنتقل ببطء، لكن مع مصداقية أكبر. اليوم، تغزو المعلومات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري، لتصبح أي شائعة، مهما كانت صغيرة، قادرة على التحول إلى أزمة وطنية أو إشاعة تؤثر على الرأي العام.

وسائل الإعلام التقليدية لم تعد الوحيدة، بل أصبحت جزءًا من منظومة أكبر تشمل المدونات، البودكاست، والفيديوهات القصيرة. في هذا المشهد الجديد، يواجه الإعلام الأردني تحديًا مزدوجًا: حفظ مصداقيته ومواكبة السرعة الرقمية في الوقت نفسه.

الأخبار الزائفة… عدواً خفياً

الأخبار الزائفة أو ما يعرف بـ Fake News لم تعد مجرد ظاهرة عابرة، بل تحوّلت إلى أداة سياسية واجتماعية تؤثر على المجتمعات العربية. الأردنيون، كما غيرهم من الشعوب، يواجهون معركة يومية لفصل الحقيقة عن الخيال، لكن الإعلام نفسه يقع أحيانًا فريسة للسرعة على حساب الدقة.

مثال حي، شهدناه خلال السنوات الماضية، حيث تداولت بعض الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي قبل التحقق من صحتها، ما أدى إلى تضارب المعلومات وفقدان ثقة الجمهور. هنا يظهر دور الإعلام المحترف كدرع أمام الفوضى الرقمية.

مسؤولية الإعلام الأردني

الإعلام الأردني، سواء كان صحفًا ورقية أو محطات تلفزيونية وإذاعية، يقع على عاتقه مسؤولية تاريخية: تثقيف المواطن وحمايته من التضليل. لكن هذه المسؤولية تتطلب أدوات حديثة: فرق تحقق متخصصة، منصات رقمية متقدمة، وسرعة في التصحيح عند ظهور خطأ.

إضافة إلى ذلك، فإن الإعلام يجب أن يكون مرآة للمجتمع، يعكس إنجازاته وتحدياته، دون الانزلاق وراء الإثارة أو السباق نحو "الترند" على حساب الحقائق.

التوازن بين السرعة والدقة

أحد أكبر تحديات الإعلام اليوم هو إيجاد التوازن بين السرعة والدقة. فالسرعة مطلوبة لتغطية الأحداث اللحظية، لكن الدقة شرط أساسي للمصداقية. كثير من المؤسسات الإعلامية حول العالم اعتمدت نظام "التحقق المسبق" قبل النشر، وهو نموذج يمكن تبنيه في الأردن لتقليل الأخطاء والحفاظ على سمعة الإعلام الوطني.

الإعلام والتعليم الرقمي

يجب أن يكون الإعلام أيضًا أداة تعليمية. فالشاب الأردني الذي يتصفح الإنترنت كل يوم يحتاج إلى مرشد يعرفه كيفية قراءة الأخبار، التفريق بين الحقيقة والتزييف، وفهم السياق. وهنا يظهر دور الإعلاميين المحترفين في تثقيف الجمهور، لا الاكتفاء بنقل الأخبار فقط.

مواجهة التحديات التقنية

مع ظهور الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا تحرير الصور والفيديو، أصبح من السهل خلق محتوى مضلل يبدو حقيقيًا. الإعلام الأردني بحاجة إلى استثمار التكنولوجيا نفسها لمكافحة التضليل: أدوات تحقق آلية، برامج مراقبة، وتحليل بيانات ذكي يميز بين الحقيقة والتزييف.

الإعلام كحائط صد أمام الفوضى

الإعلام ليس مجرد ناقل للأحداث، بل حائط صد أمام الفوضى والمعلومات المضللة. المؤسسات الإعلامية الوطنية التي تستطيع دمج الخبرة الصحفية التقليدية مع الأدوات الرقمية الحديثة ستصبح أكثر قدرة على الصمود أمام موجة الأخبار الزائفة.

الرؤية المستقبلية

إذا أراد الإعلام الأردني أن يظل مؤثرًا على المستوى العربي، يجب أن تتوفر لديه ثلاثة مقومات:

1. التحقق المستمر: فريق متخصص في التأكد من صحة الأخبار قبل نشرها.

2. التفاعل الإيجابي مع الجمهور: توعية المواطنين بكيفية التعامل مع الأخبار وتقديم محتوى تثقيفي.

3. الاستثمار في التكنولوجيا: استخدام الذكاء الاصطناعي وأدوات التحليل لمراقبة الانتهاكات الإعلامية والتضليل.

هذه الرؤية لا تتعلق بالتقنيات وحدها، بل بالثقافة الإعلامية نفسها: صحافة مسؤولة، شفافة، ومستعدة لمواجهة أي تحديات جديدة.

خاتمة

الإعلام الأردني اليوم يقف على مفترق طرق: إما أن يختار الطريق الآمن للسرعة على حساب المصداقية، أو أن يعيد تعريف دوره كحائط صد، كمعلم، وكمرشد للجمهور. المستقبل يحتاج إعلامًا يوازن بين الحقيقة والسرعة، بين الترفيه والمعرفة، بين الطموح والمسؤولية.

في نهاية المطاف، سيبقى السؤال قائمًا: هل يستطيع الإعلام الأردني أن يحافظ على مصداقيته ويصبح قدوة عربية في مواجهة الأخبار الزائفة، أم سيظل مجرد مراسل سريع يركض خلف الترند؟

مدار الساعة ـ