وثيقة البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي في قطاع الأسواق والخدمات المالية تشكل إطارًا مرجعيًا رقميًا دقيقًا لرصد مسار الإصلاح المالي في الأردن، إذ تحدد أولويات العمل خلال الفترة 2023–2025 بما يتضمنه من سياسات ومشاريع تشريعية وتنظيمية، مع التمهيد لمرحلة ثانية تمتد بين 2026 و2029.
ويعكس إدراج عشرين مشروعًا ضمن هذا البرنامج حجم الجهد المؤسسي المتوقع، ودوره في تعزيز كفاءة الأسواق المالية ورفع مستوى الرقابة والاستقرار المالي على المدى المتوسط والطويل.الأرقام الواردة في الوثيقة تكشف عن إنجاز 69 % من مشاريع المرحلة الأولى، بواقع تسعة مشاريع مكتملة وأربعة قيد التنفيذ، من أصل ثلاثة عشر مشروعًا مدرجًا للفترة 2023–2025، إلى جانب سبع مبادرات مرتبطة بها.وهذه النسبة تعكس تقدمًا ملموسًا، لكنها تشير أيضًا إلى ضرورة تكثيف المتابعة لضمان إتمام المشاريع المتبقية ضمن المهل المحددة، إذ إن نجاح المرحلة الأولى يمثل أساسًا مهمًا لتجاوز التحديات المتوقعة في المرحلة الثانية.أما على صعيد المؤشرات الكلية، فيبرز الشمول المالي والاستقرار النقدي كركيزتين أساسيتين، فقد أظهرت نتائج المسح الصادر عن البنك المركزي لعام 2022 أن نسبة الشمول المالي بلغت 43.1 %، مع التخطيط لإعادة التقييم عام 2029، كما ارتفعت الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي من 17.3 مليار دولار عام 2022 إلى 21.0 مليار دولار في 2024، ما عزز قدرة تغطية المستوردات من 7.2 شهر إلى 8.2 شهر، وهذه المعطيات تعكس قوة السياسة النقدية في الحفاظ على مستويات مريحة من السيولة الخارجية.أما على مستوى مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي، فقد ارتفعت من 2.4 مليار دينار في 2022 إلى 2.5 مليار دينار في 2024، بما يؤكد تنامي دوره في دعم الاقتصاد، ويظهر تفصيل الأداء نمواً متوازناً في الأصول المصرفية والودائع والائتمان، حيث ارتفعت موجودات القطاع المصرفي من 64.1 مليار دينار إلى 69.9 مليار دينار، والودائع من 42.1 مليار دينار إلى 46.7 مليار دينار، فيما زاد الائتمان الممنوح من 32.6 مليار دينار إلى 34.8 مليار دينار خلال الفترة ذاتها.وهذه المؤشرات تؤكد اتساع قدرة القطاع المصرفي على تمويل الأنشطة الاقتصادية، وهو عنصر محوري في دعم النمو.في قطاع التأمين، ارتفع صافي الربحية قبل الضريبة من 23.8 مليون دينار في 2022 إلى 25.2 مليون دينار في 2024، رغم انخفاض نسبة التغلغل من 2.1 % إلى 2.05 %، مع تركز الأرباح في 17 شركة من أصل 19، وهذه المعطيات توضح الحاجة لمزيد من التوازن داخل السوق وتحفيز المنافسة.الإصلاحات التشريعية جاءت كجزء جوهري من البرنامج، حيث يجري إعداد مقترح قانون لتنظيم التمويل الجماعي استنادًا إلى قانون التمويل لعام 2021، على أن يتم الالتزام بالتعديلات قبل 13 يوليو/تموز 2025، كما يشمل البرنامج إصدار تعليمات خاصة بالتمويل الجماعي القائم على الإقراض، إضافة إلى مراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين رقم 12 لسنة 2021 لتعزيز الرقابة وحماية المؤمن لهم. في السياق ذاته، يركز البرنامج على تطوير البنية التشريعية والتقنية لدعم التحول الرقمي في القطاع المالي.خلاصة القول، الوثيقة تمثل خريطة طريق كمية ومؤسسية لقطاع الأسواق والخدمات المالية في الأردن، تربط بين الأهداف الإصلاحية والأرقام الدقيقة والجداول الزمنية المحددة، ونجاحها يتوقف على الالتزام الصارم بتنفيذ ما ورد فيها، خصوصًا أن التحول الرقمي والاستدامة باتا عنصرين رئيسيين في مسار النمو الاقتصادي المستقبلي.
المسار المالي في 'التحديث'
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ