حيال ما نشهده من تقلبات وصيغ جديدة، في فلسطين والمنطقة، ومع تداخل المشاريع، وبخاصة مشروع اليمين الإسرائيلي، تبقى ذخيرتنا من المشروع العربي الإسلامي الهاشمي الوحدوي هي في مواجهة الخطر والطرح الإسرائيلي، والدفاع عن القدس وفلسطين.
وهو مشروع يستقي أدبياته مما للقدس من مكانة عظيمة عند المسلمين، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول عليه السلام، وملوك بني هاشم لطالما أكدوا وعملوا انطلاقا من مكانة القدس من هذا المنطلق، باعتبارهم "ورثة العهدة العمرية" التي كان هدفها تكريس الإسلام دينا للتسامح والألفة بين البشرية والأديان.وفي تاريخنا فان مبايعة الشريف الحسين بن علي خليفة للمسلمين، والتي تمت في المسجد الحسيني بعمان والمسجد الأقصى المبارك ومكة المكرمة في آذار 1924، جاءت من جميع الطوائف الدينية والمشايخ الموجودين في ذلك الوقت، حيث كتبت البيعة بنسختين؛ تم الاحتفاظ بالأولى في الأقصى المبارك، فيما تم الاحتفاظ بالنسخة الأخرى في المجلس الإسلامي الأعلى، وبعد ذلك بدأت برقيات المبايعة تأتي من كل المدن الفلسطينية.وهو امر يعبر عن إرهاصات أولى لهذا المشروع، فالبيعة جاءت للحفاظ على مكانة الخلافة لدى المسلمين، وأن الشريف الحسين عندما أعلن الثورة العربية الكبرى كانت بمثابة مشروع مواز ومقابل للمشاريع التي كانت تطرح للمنطقة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسها اتفاقية سايكس بيكو والمشروع الصهيوني في المنطقة.والمشروع الهاشمي، العروبي الوحدوي المستقي شرعيته الدينية من الإرث الهاشمي ، جاء في لحظة كان فيها الشرق الأوسط محط أنظار وأطماع العالم في تلك الفترة، ما دعا "المتنورين العرب" منذ 1912 إلى البحث عن شخصية يبايعونها من أجل البدء بـ"مشروع عربي نهضوي" يقابل الطروحات العالمية التي كانت حول المنطقة كمشاريع.وقد حمل الشريف الحسين، على عاتقه قيادة هذا المشروع، كما أنه كان يعي تماما ما تواجهه المنطقة. ومراسلات (الحسين – مكماهون) تظهر ان الشريف حسين، كان دائما يدخل فلسطين والقدس في مشروعه العربي (المملكة العربية) التي كانت تضم كذلك الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق.وقد شعر وقتها أنه كان يصطدم بمخططات أخرى عندما كان يجابه، خصوصا فيما يتعلق بفلسطين، حيث بدأ يستشعر الخطر الصهيوني عليها من خلال بريطانيا، ما زاده تصميما على تنفيذ مشروعه من أجل إنقاذ فلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص.وموقف الشريف الحسين وإصراره على رفض مخططات بريطانيا حول فلسطين أدى إلى إبعاده ونفيه من المنطقة، ليكون "أول عربي يتم استبعاده من أجل القضية الفلسطينية في التاريخ"، حتى تم دفنه في القدس بناء على وصية منه، أكدها الملك المؤسس عبدالله الأول، أحد أركان الثورة العربية الكبرى، حيث قال "أريد القدس وأنا حي.. وأريدها وأنا ميت"، وعليه، أصر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الحاج أمين الحسيني ومن معه من وجهاء القدس وفلسطين على القيام بجميع ترتيبات جنازته ووضع ضريحه في زوايا الأقصى المبارك، في جنازة تاريخية حضرها في ذلك الوقت أكثر من 30 ألف شخص، وفقا لما ذكرته الصحف وأكده المؤرخون آنذاك.وفي الأردن كانت انطلاقة المشروع مرة أخرى، حيث كان أول عمل قام به الملك المؤسس عبدالله الأول عقد لقاء في القدس مع تشرشل عام 1921 متا أدى إلى استثناء شرق الأردن من وعد بلفور، وقام بتأسيس إمارة شرق الأردن.ولاحقاً فان جميع المشاريع العربية كمشروع سوريا الكبرى، والهلال الخصيب، ومشاريع المملكة العربية الكبرى، طرحها الهاشميون من أجل إنقاذ المنطقة من المشاريع المتدفقة عليها في تلك الفترة.وهو طرح اقترن قوله بالعمل، فالجيش العربي الأردني قدم تضحيات كبيرة في سبيل الدفاع عن فلسطين والقدس، واستطاع الحفاظ على الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال الكثير من المعارك التي جرت في تلك المنطقة وعلى أسوار القدس.ويشهد على ذلك مقابر الجيش الأردني التي ما تزال موجودة في تلك البقاع المقدسة، إضافة إلى جثامين شهداء الجيش العربي التي تم اكتشافها في العديد من الحفريات في القدس والضفة الغربية.بذل كل ملك من ملوك بني هاشم وقدم لأجل الدفاع عن القدس وفلسطين بحسب الظروف التي عاصرها، وكل منهم وقف صامدا أمام المشروع الصهيوني، وبقيت الأردن بقياداتها واقفة إلى جانب فلسطين وشعبها ولم تتخل عنها يوما، وذلك نابع من عقيدة راسخة لديهم بأن فلسطين يجب أن تكون عربية.ضمن هذه القراءة فإن الصراع العربي الإسرائيلي بلغ ذروته الآن مع تحوله من صراع قومي إلى صراع ديني، وهو ما حذر منه الملك عبدالله الثاني في إحدى لقاءاته: "صراع الأديان من أقوى الصراعات في العالم وأخطرها ضررا"، خصوصا مع وصول اليمين المتطرف الإسرائيلي إلى سدة الحكم وسعيه لتحويل الصراع إلى ديني، وهو ما يجد صدى كبيرا في الغرب، وهو الأمر الذي حذر منه المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، في خطابه عام 1986 عندما قال: "يجب أن نسرع في الحل السلمي لأن هنالك خطر تنامي اليمين المتطرف في الغرب قبل إسرائيل، والذي سيكون شريكا لها".على هذا فان تاريخنا وحاضرنا الممتد لطالما كان في الطليعة بالتصدي ببذل لأي طرح عدائي من قبل اليمين الاسرائيلي، وهو ذخيرة لحاضرنا.
العبادي يكتب: المشروع الهاشمي العربي في مواجهة تطرف اليمين الاسرائيلي.. 'قراءة تاريخيّة'
د.محمد يونس العبادي
كاتب وأكاديمي أردني
العبادي يكتب: المشروع الهاشمي العربي في مواجهة تطرف اليمين الاسرائيلي.. 'قراءة تاريخيّة'

د.محمد يونس العبادي
كاتب وأكاديمي أردني
كاتب وأكاديمي أردني
مدار الساعة ـ