أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات جامعات مغاربيات خليجيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

العجارمة يكتب: حينما يعادي 'الإسرائيليون' ساميّتهم!


موسى العجارمة

العجارمة يكتب: حينما يعادي 'الإسرائيليون' ساميّتهم!

مدار الساعة ـ

يتشدّقون ويتبجّحون بالمواربة والمهادنة، لا يقوون على أدنى خلجات النفس البشرية، ويتقوقعون في سردية وخيمة ابتدعوها منذ الأزل، أجمعوا أمرهم على الحكمة الكليلة، وامتعاض النفس في جوقة مظلمة أعقبتها تداعيات تركت على عواهنها، أمام مجتمع دولي كان شاهدًا عليها، وجميع ذلك ليس بجديد، لأن المستحدث أمامنا اليوم هو ولوج العالم إلى عتبة حديثة، خالية من مصطلحات كرسها الاحتلال منذ أزمنة طويلة.

شهدنا يوم أمس جريمة جديدة اعتيادية، تستهدف مجددًا الصحفيين والمسعفين، كمشهد مروع يندى له الجبين، وجريمة متممة لمجازر الكيان التي ارتكبها منذ السابع من أكتوبر، وكانت في مقدمتها مجزرة مستشفى المعمداني، التي أعدها الاحتلال كبالون اختبار من أجل رصد ردّة فعل المجتمع الدولي وما يسمى بالقانون الإنساني واتفاقيات جنيف. مما ذكرنا بالمصطلح اللقيط الواهم "معاداة السامية" الذي تمسك به الاحتلال لتكريس أوهامه ومشاريعه اللقيطة أمام العالم أجمع.

في بداية الأمر، مصطلح "معاداة السامية" الذي ابتدعه الصحفي الألماني فيلهلم مار عام 1879 لوصف الكراهية التي كانت توجّه لليهود آنذاك، كان خطأً فادحًا وتمييزًا عرقيًا من ذلك الصحفي، لكون الساميين هم أحفاد سام بن نوح عليه السلام، الذين يتمثلون بالعرب والكنعانيون والعبرانيون، أي إن المفترض بـ"معاداة السامية" أن تكون العداء لكل هؤلاء.

وبمعنى آخر وحقيقي، إن ما يحدث اليوم لأهلنا في غزة هو المعاداة الحقيقية للسامية، لأن هذا المصطلح نفسه احتله الكيان الصهيوني كعادته، على الرغم من أن العرب لهم أحقية مشروعة فيه.

المصطلح هذا، يشير إلى التمييز ضد اليهود عرقيًا أو دينيًا، ويحصر العِرق السامي في اليهود فقط، والمراجع التاريخية بشتى أنواعها فنّدت أحقية "الإسرائيليين" بهذا المصطلح، الذي أطلق في الأصل من قبل يهود أوروبيين في القرن التاسع عشر، الذين ليست لهم أي صلة عرقية بالساميين.

وإدراج هذا المصطلح العنصري منح صكوك الغفران لتمييز اليهود عرقيًا ودينيًا، مع أن العرب يندرجون تحت التصنيف ذاته، إلا أن تهمة معاداة السامية تُصدر اليوم خصيصاً لهم، على الرغم من أن جذورهم لم تندثر هنا وهناك، كحال اليهود المعاصرين، فإن هذا المصطلح هو اعتداء على الساميين الذين هم العرب وليس يهود أوروبا.

وعلى الرغم من أن هذا التعبير هو حق مشروع للعرب اليوم، إثر المجازر والانتهاكات المروعة التي نشهدها في غزة، إلى جانب غطرسة الاحتلال في سوريا ولبنان، فإن العرب تنازلوا منذ القدم عن هذا المصطلح الذي لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، فهو تعبير ركيك اعتنقه فلاسفة يهود بين عشية وضحاها، للدفاع عن وجودهم، وللتعبير عن استيائهم وامتعاضهم مما كانوا يتعرضون له من نبذ وعنصرية في القرن التاسع عشر.

واليوم، عقب السابع من أكتوبر، هذا المصطلح بشكله الاعتيادي الذي عرفته الولايات المتحدة الأمريكية في المحافل والمناسبات، تقهقر بالكامل، ومضى في سبيله الأغبر، وتهاوى على نحو مماثل أمام إراقة الدماء والأرواح المكدسة في غياهب الجب والألم، التي جلس الاحتلال على تَلَّتها.

ولنفترض أنّ السامية حكر على اليهود حقًا، يتردّد تساؤل ترسم إجابته الظروف والأحداث الراهنة: هل العرب حقًا هم من عادوا السامية، أم أن الإسرائيليين هم من عادوا "ساميّتهم"؟! عقب سلسلة جرائم مروعة واختراقات للمواثيق والقوانين، وممارسة الغطرسة بأوقح وأبشع صورها، ليكون المعتدي الفعلي هو الإسرائيلي فقط.

فالعالم اليوم لم يعد كما كان سابقًا، فالكثير من الدول الأجنبية التي كانت داعمًا أساسيًا لإسرائيل، تضامنت مع فلسطين واعترفت بوجودها وأحقية شعبها في تقرير مصيره، إلى جانب المسيرات التضامنية المناهضة لتصرفات الاحتلال، التي أقيمت في أعرق الجامعات العالمية.

فالصورة انقلبت بالكامل، وهناك أجانب خاطروا بمناصبهم، لاستهجانهم ممارسات الاحتلال إزاء جرائمه التي ارتكبها بحق الغزيين، ولا ننسى الجندي الأمريكي الذي أضرم النار بنفسه أمام سفارة الاحتلال في أمريكا احتجاجًا على ما يحدث، وهذه رسالة كبيرة أمام العالم. والأمثلة كثيرة، والشيء بالشيء يذكر.

واليوم، بعد مشاهدة العالم للمجازر الدموية التي استهدفت النساء والأطفال والمدنيين العزّل، وألقت بظلالها على المستشفيات والممرات الإنسانية لإحلال المجاعات، وقتل الصحفيين والمسعفين الأبرياء، سنجد فعلًا أن إسرائيل هي من اعتدت على السامية وابتدعت أحقّيتها المزعومة. بممارساتها البربرية والهمجية، وكشفت أوراقها بالكامل، ووضعت "ساميّتها" المبتدعة على المحك، لتكون دويلة منبوذة تجابه عزلتها الدولية.

مدار الساعة ـ