أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف جامعات خليجيات دين مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة الأسرة طقس اليوم

الشورة يكتب: ظلم الممثل الأردني بين تهميش الفن وصعود المؤثرين


حمد الشورة

الشورة يكتب: ظلم الممثل الأردني بين تهميش الفن وصعود المؤثرين

مدار الساعة ـ

في السنوات الأخيرة، باتت الساحة الفنية الأردنية تشهد تحوّلاً مؤسفاً، يتمثل في استبدال الممثلين أصحاب الخبرة والموهبة بالمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التحوّل لا يمكن النظر إليه إلا كجزء من أزمة أعمق، تطال الثقافة والفن والهوية الوطنية على حد سواء.

الممثل الأردني لم يكن يوماً مجرد أداة للترفيه، بل كان صوتاً وذاكرة وهوية. نتذكر جميعاً أعمالاً شكلت الوعي الجمعي مثل "رأس غليص" و "الطوفان" و "نهارات الدفلى"، حيث جسّد فنانون كبار مثل نادرة عمران، محمد العبادي، جولييت عواد، زهير النوباني، وعبد الكريم القواسمي شخصيات حملت رسائل عميقة، وعكست صورة المجتمع الأردني والعربي بصدق وبراعة. هذه الأعمال لم تكن مجرد دراما عابرة، بل دروساً في التاريخ والهوية والانتماء.

وفي العقدين الأخيرين، برز جيل جديد من المبدعين الأردنيين الذين أثبتوا حضورهم عربياً، مثل إياد نصار الذي قدم أدواراً استثنائية في الدراما العربية، ومنذر رياحنة الذي نقل صورة البداوة الأردنية بأصالتها إلى الشاشة العربية، وصبا مبارك التي أصبحت رمزاً للنجاح الفني النسوي وأيقونة عربية تجاوزت حدود الوطن. هؤلاء الممثلون هم الامتداد الطبيعي للأجيال السابقة، ويشكلون جسراً بين التراث والحداثة في المشهد الفني الأردني.

ورغم ذلك، نجد اليوم أن هذه المواهب يتم تهميشها لصالح أسماء مؤثرين لا يملكون الخبرة ولا القيمة الفنية، إنما يعتمدون على شهرة افتراضية مبنية على "الإعجابات" و"المشاهدات". والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يُستفاد من مؤثر أو مؤثرة هدفهما الأول الشهرة السريعة والمنفعة الشخصية؟ في المقابل، ماذا نخسر حين نُقصي ممثلين حقيقيين حملوا الفن رسالة وذاكرة وهوية؟

إن هذا التحول لا يعني فقط إعدام المواهب، بل يعني أيضاً إفراغ الفن من جوهره، وتحويله إلى سلعة عابرة مرتبطة بترند لحظي ينتهي خلال أيام. حين يصبح معيار الاختيار هو عدد المتابعين لا جودة الأداء، نكون أمام خطر يهدد الذائقة العامة، ويفرض على الأجيال الصاعدة قيماً سطحية ومعايير مشوهة.

لقد تربينا على أعمال مثل "الكف والمخرز" و*"أبناء القلعة"* التي كانت تزرع فينا القيم الوطنية والاجتماعية، وشاهدنا ممثلين جسّدوا بصدق آمال الناس وآلامهم. واليوم، حين يُستبعد هؤلاء العمالقة ومعهم الجيل الجديد من المبدعين لصالح مؤثرين يفتقدون لأي خلفية فنية، فإننا لا نخسر أشخاصاً بقدر ما نخسر فناً ورسالة وذاكرة وهوية.

إن الإنصاف للممثل الأردني ليس مجرد مطلب نقابي أو فني، بل ضرورة للحفاظ على هوية الأردن الثقافية والفنية. ومن الظلم أن يُستبعد أصحاب التجربة الطويلة أو النجوم الشباب المبدعون لمجرد أنهم لا يمتلكون حسابات مكتظة بالمتابعين. المطلوب اليوم وقفة جادة من المؤسسات الثقافية والإعلامية والمنتجين والجمهور، لإعادة الاعتبار للفنان الحقيقي، وصون الفن من التسطيح والابتذال.

فالفن الأردني لا يحتاج إلى "مؤثرين" يبيعون الوهم، بقدر ما يحتاج إلى ممثلين يحملون الموهبة والوعي والرسالة، ويصنعون فناً باقياً، كما فعل من سبقوهم، فناً لا يزول بانتهاء "ترند".

مدار الساعة ـ