منذ انطلاق مشاريع تحديث المنظومة السياسية في الأردن، ارتفع سقف التوقعات بأن يستعيد الحزب السياسي موقعه كجسرٍ بين المجتمع والدولة، وأن يكون الشباب هم وقودَ هذه العودة ووجهها. وعلى الرغم من الزخم الخطابي والمؤسساتي الذي أحاط بهذا المسار، ما تزال المسافة قائمة بين طموح الشباب في التأثير والقيادة وبين واقع الأحزاب من حيث البنية والثقافة والأدوات.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل وجد الشباب فعلاً مكانهم داخل الأحزاب، أم ما زالوا يدورون في هامش الصورة ويستخدمون ك ديكور فقط ؟لا يختصر أحلام الشباب في مقعدٍ داخل المكتب السياسي أو ان يكون ضمن القائمة الإنتخابية. الطموح الحقيقي أعمق بكثير وهو المشاركة في صياغة البرامج، واقتراح السياسات العامة، وتعلم مهارات التفاوض وبناء التحالفات، وتحمل مسؤولية القرار أمام الناس. لذلك حين يطالب الشباب بمكانهم داخل الأحزاب فهم لا يبحثون عن تمثيل رمزي بل عن بيئةٍ تعترف بجدارتهم وتستثمرها وعن مسارٍ مهني سياسي يكسبهم الخبرة ويحول حماستهم في المشاركة إلى كفاءة واضحه في العمل الحزبي .ولا ننسى ان الواقع يتبدل ببطء حيث انه قد تبدلت أشياء كثيرة في المشهد الحزبي الأردني لكن وتيرة التحول غالباً أبطأ من توقعات الشباب لانه ما يزال حضور النخب التقليدية مؤثراً في مراكز القرار و الكثير من الأحزاب ما تزال تدار بعقلية النخبة الكلاسيكية على الكفاءة وتستبقي الأدوات القديمة في التواصل والتعبئة و يضاف إلى ذلك أن برامج عدد من الأحزاب تبقى عامة لا تخاطب تحدّيات الشباب اليومية مثل فرص العمل اللائقة، جودة التعليم العالي والتقني، سياسات النقل والإسكان، الاقتصاد الرقمي، العدالة المعيشية، والمشاركة المحلية في المحافظات وجواب ابرز الأسئلة التي تدار في عقولهم وهي ( نحن الى أين ) .الفجوه الثقافية قبل الفجوه القانونية حيث يمكن لأي تشريعات أن تفتح الباب للإنتساب والمشاركة في الحزب لكن من يدخل ويجلس ويُسمع صوته تحدّده الثقافة الحزبية وهنا تكمن الفجوة الأهم وهي كيف ننقل الحزب من نادي نخبة مغلق إلى مؤسسةٍ حية تستقبل النقد وتراجع برامجها وتقدم الحساب لأعضائها قبل جمهورها؟ حين تُصمت القواعد الداخلية وتُحجب المعلومات وتُدار الاجتماعات بمنطق الإملاء لا الحوار حينها ينفض الشباب ولو توافرت لهم حصة في المقاعد. و في المقابل الأحزاب التي تتعامل مع الشباب باعتبارهم شركاء معرفة لا متطوعين لوجستيين والتي تتيح لهم إدارة ملفات وكتابة أوراق سياسات وقيادة حملات ميدانية ستكسب رأس المال الأهم وهو الثقة وهي العملة الوحيدة التي لا يستطيع الحزب أن يشتريها بالإعلانات او بجلب اعضاء اصحاب قرار في مجتمعاتهم أو ذو المناصب المهمه في الدولة .الجامعات والسوشل ميديا يعدان ساحة للإختبار حيث ان الجامعات الأردنية مختبر طبيعي لتشكل الوعي الجمعي من خلال تحويل النشاط الطلابي من ترف هامشي إلى مدرسة لسياسة المسؤولة يمر عبر تمكين النوادي الجامعية والجمعيات العلمية وتفعيل دور المناظرات وربطها بأحزاب تقدم تدريباً منهجياً في كتابة البرامج والاتصال السياسي وأخلاقيات العمل العام وأسلايب الوصول للسلطة والثقافة الحزبية وهي الاهم الأن .ومن جانب اخر، يشكل الفضاء الرقمي منصة تعبير أسرع من أي وقت مضى لكنه أيضاً يعد ساحة ضجيج ف الحزب الذي يتقن التواصل الرقمي الرصين ويحتوي على محتوى مبسط و أرقام موثقة و تفاعل محترم بالتأكيد سيحظى بأذن الشباب ووقتهم وهما موردان نادران.التحول من شعار الى سلوك والانتقال من (تمكين الشباب) كشعار إلى (تمكين الشباب) كسلوك يبدأ حين يرى الشاب نفسه معنياً بالقرار ومحاسباً عليه ويحدث ذلك حين تعترف القيادات بأن المستقبل ليس (هدية) تُمنح بل مسؤولية تُسلم. و يوم تصبح الأحزاب مدارس للمعنى والمهارة لا منصات للشعارات ستكون قصص الشباب في السياسة الأردنية أقل استثناءً وأكثر قاعدة عندها فقط يلتقي الطموح بالواقع في منتصف الطريق وتتحول طاقة الجيل الجديد من وميضٍ عابر إلى نورٍ مستمر ويصبح العمل الحزبي بالاردن اكثر مرونه وجدية مع المعرفة لوجود الحزب اهدافة وسياسته.حما الله الاردن شعباً وقيادةً
المجالي يكتب: الشباب والأحزاب بين الطموح والواقع
مدار الساعة ـ